دَائِرُونَ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيَكُونَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ شُرَكَاءَ بِأَمْوَالِهِمْ، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ تَسَاوِي الْفَرِيقَيْنِ فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَنُقْصَانِهِ وَهَذَا هُوَ حَالُ الشُّرَكَاءِ وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْعَامِلُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الشَّرِيكِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونُوا أُجَرَاءَ، وَيُعَضِّدُهُ اخْتِصَاصُ رَبِّ الْمَالِ بِضَيَاعِ الْمَالِ وَغَرَامَتِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلِهِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْأُجَرَاءِ وَمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ أَنْ تُمْلَكَ بِالظُّهُورِ وَمُقْتَضَى الْإِجَارَةِ أَنْ لَا تُمْلَكَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ فَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الشَّوَائِبِ سَبَبُ الْخِلَافِ فَمَنْ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ كَمَّلَ الشُّرُوطَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَنْ غَلَّبَ الْإِجَارَةَ جَعَلَ الْمَالَ وَرِبْحَهُ لِرَبِّهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَامِلُ أَصْلًا وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَعُبَ عَلَيْهِ إطْرَاحُ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ فَرَأَى أَنَّ الْعَمَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى.
وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَاعْتَبَرَ وَجْهًا مِنْ الْإِجَارَةِ وَوَجْهًا مِنْ الشَّرِكَةِ فَوَقَعَ التَّفْرِيعُ هَكَذَا مَتَى كَانَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِمَا مُخَاطَبٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مُنْفَرِدًا فِيمَا يَنُوبُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مُخَاطَبٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ لِقُصُورِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ عَنْ النِّصَابِ وَلَيْسَ لِرَبِّهِ غَيْرُهُ سَقَطَتْ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُخَاطَبًا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحْدَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَتَى سَقَطَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا إمَّا الْعَامِلِ، أَوْ رَبِّ الْمَالِ سَقَطَتْ عَنْ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ أَمَّا إنْ سَقَطْت عَنْهُ فَتَغْلِيبًا لِحَالِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ وَتَغْلِيبًا لِحَالِ الشَّرِكَةِ وَشَائِبَتِهَا.
وَأَمَّا إنْ سَقَطَتْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فَتَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَقَبَضَ أُجْرَتَهُ اسْتَأْنَفَ بِهَا الْحَوْلَ فَكَذَلِكَ هَذَا الْعَامِلُ وَرَأَى أَشْهَبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارَ رَبِّ الْمَالِ فَتَجِبُ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ تَبَعًا لِوُجُوبِهَا فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُزَكِّي مِلْكَهُ، وَأَنَّ رِبْحَ الْمَالِ مَضْمُومٌ إلَى أَصْلِهِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ اتَّجَرَ بِدِينَارٍ فَصَارَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي وَيُقَدِّرُ الرِّبْحَ كَامِنًا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّهُ أَجِيرٌ فَلَا بَحْثَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ كَمَا عُلِمَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ شَرِيكٌ، وَبَعْضَ شُرُوطِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ أَجِيرٌ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا عَلَى الْعَامِلِ تَأَمَّلْ اهـ.
وَقَاعِدَةُ الشَّرِيكِ لَمَّا اُخْتُصَّتْ بِأَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُهُ شَرِيكًا لَيْسَ إلَّا، اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إجْرَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الزَّكَاةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ لِاخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ، هَذَا وَلِقَاعِدَةِ الْعَامِلِ فِي التَّرَدُّدِ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا قُتِلَتْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا هَلْ تَجِبُ فِيهَا قِيمَةٌ أَمْ لَا لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْأَرِقَّاءِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُوطَأُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ لِتَحْرِيمِ بَيْعِهَا، وَإِحْرَازِهَا لِنَفْسِهَا وَمَالِهَا، وَمِنْهَا الْمُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ نَحْوِ رَمَضَانَ، وَالتَّرْجُمَانُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّائِبِ وَالْمُقَوِّمِ وَغَيْرِهِمْ لَمَّا تَرَدَّدُوا بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَدُ تَغْلِيبًا لِلشَّهَادَةِ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ تَغْلِيبًا لِلرِّوَايَةِ وَمِنْهَا الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ كَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ لَمَّا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ أَصْلِهَا وَأَصْلِ أَصْلِهَا فَإِنَّ أَصْلَ أَصْلِهَا أَصْلُهَا أَيْضًا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهَا هَلْ تُرَدُّ إلَى أَصْلِهَا فَيَجِبَ قِرَاضُ الْمِثْلِ، أَوْ إلَى أَصْلِ أَصْلِهَا فَيَجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؟
وَمِنْهَا كُلُّ مَا تَوَسَّطَ غَرَرُهُ أَوْ الْجَهَالَةُ فِيهِ مِنْ الْعُقُودِ لَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْغَرَرِ الْأَعْلَى الْمُجْمَعِ عَلَى بُطْلَانِهِ وَالْأَدْنَى الْمُجْمَعِ عَلَى جَوَازِهِ وَاغْتِفَارِهِ فِي الْعُقُودِ لِأَنَّهُ بِتَوَسُّطِهِ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَمَنْ قَرَّبَهُ مِنْ الْأَعْلَى مَنَعَ وَمِنْ قَرَّبَهُ مِنْ الْأَدْنَى أَجَازَ وَمِنْهَا الْمَشَاقُّ الْمُتَوَسِّطَةُ فِي الْعِبَادَاتِ لَمَّا دَارَتْ بَيْنَ أَدْنَى الْمَشَاقِّ فَلَا تُوجِبُ تَرَخُّصًا وَبَيْنَ أَعْلَاهَا فَتُوجِبُ التَّرَخُّصَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْثِيرِهَا فِي الْإِسْقَاطِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَمِنْهَا نَحْوُ شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ مِنْ التُّهَمِ الْمُتَوَسِّطَةِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا أُجْمِعَ عَلَى أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ كَشَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا أُجْمِعَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الشَّهَادَةِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ لِآخَرَ مِنْ قَبِيلَتِهِ لَمَّا أَخَذَ شَبَهًا مِنْهُمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّ التَّغْلِيبَيْنِ يُعْتَبَرُ فَتُقْبَلُ أَوْ تُرَدُّ وَمِنْهَا الثُّلُثُ لَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي مَسَائِلَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إلْحَاقِهِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْبَاحِ تُضَمُّ إلَى أُصُولِهَا فِي الزَّكَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَوَائِدِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا أَصْلٌ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْبَاحِ تُضَمُّ إلَى أُصُولِهَا فِي الزَّكَاةِ فَيَكُونُ حَوْلُ الْأَصْلِ حَوْلَ الرِّبْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّبْحِ حَوْلٌ يَخُصُّهُ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَمْ لَا عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا، وَإِلَّا فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُطْلَقًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَوَائِدِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا أَصْلٌ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَصَدَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ بَعْدَ حَوْزِهِ وَقَبْضِهِ) .
لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّبْحِ وَالْفَائِدَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَى مُقَابِلِ مَشْهُورِ مَالِكٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَشْهُورِ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ التَّقَادِيرِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَإِعْطَاءُ