الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ
(قِسْمٌ) وَاجِبٌ، وَهُوَ مَا تَتَنَاوَلُهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا، وَإِهْمَالُ ذَلِكَ حَرَامٌ إجْمَاعًا فَمِثْلُ هَذَا النَّوْعِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي وُجُوبِهِ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) : مُحَرَّمٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرِيعَةِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِدِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ) قُلْت: لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي أَهْلِ السَّفِينَةِ وَالرَّدْمِ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِقْدَانِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ الْحُكْمُ بِتَقَدُّمِ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ، وَكَذَلِكَ اللِّعَانُ لَيْسَ بِمَانِعٍ بَلْ هُوَ سَبَبٌ فِي فِقْدَانِ السَّبَبِ، وَهُوَ النَّسَبُ وَلَيْتَ شِعْرِي لِمَ لَمْ يُحَكِّمْ هُنَا الْحُدُودَ كَمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ عَنْ الْفُضَلَاءِ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُمَا، وَهُوَ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ إلَّا قَوْلَهُ: وَقِيلَ بِالْعَكْسِ فَإِنِّي لَا أَدْرِي الْآنَ مُرَادَهُ بِذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمُشْرِكِينَ. الثَّامِنِ أَنْ لَا نَدَعَهُمْ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. التَّاسِعِ أَنْ لَا تُنْصَبَ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الْعَاشِرِ أَنْ لَا تُحَرَّقَ عَلَيْهِمْ الْمَسَاكِنُ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الْحَادِي عَشَرَ أَنْ لَا يُقْطَعَ شَجَرُهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِهَا الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِهَا الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) . وَهُوَ أَنَّ ضَابِطَ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي إسْقَاطِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ أَمْرَانِ. (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ شُبُهَاتٍ ثَلَاثٍ. (الْأُولَى) الشُّبْهَةُ فِي الْوَاطِئِ كَاعْتِقَادِ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ امْرَأَتُهُ أَوْ مَمْلُوكَتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَالِاعْتِقَادُ الَّذِي هُوَ جَهْلٌ مُرَكَّبٌ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعْتَقِدٌ الْإِبَاحَةَ، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي اعْتِقَادِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. (الثَّانِيَةِ) الشُّبْهَةُ فِي الْمَوْطُوءَةِ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا وَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَمَا فِيهَا مِنْ نَصِيبِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، وَمَا فِيهَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. (الثَّالِثَةِ) الشُّبْهَةُ فِي الطَّرِيقِ كَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُحْرِمِ يَقْتَضِي الْحَدَّ وَقَوْلَ الْمُبِيحِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) تَحَقَّقَ شَرْطُهَا وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُقْدِمِ مُقَارَنَةَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حُصُولِ السَّبَبِ، وَإِلَى أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَوْمَهُ فَتَعَمَّدَ الْفِطْرَ ثَانِيَةً أَوْ امْرَأَةٌ رَأَتْ الطُّهْرَ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا فَلَمْ تَغْتَسِلْ حَتَّى أَصْبَحَتْ فَظَنَّتْ أَنَّهُ لَا صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَكَلَتْ أَوْ مُسَافِرٌ قَدِمَ إلَى أَهْلِهِ لَيْلًا فَظَنَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ أَنَّ صَوْمَهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَأَفْطَرَ أَوْ عَبْدٌ بَعَثَهُ سَيِّدُهُ فِي رَمَضَانَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ عَلَى مَسِيرَةِ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَفَرٌ فَأَفْطَرَ فَلَيْسَ عَلَى هَؤُلَاءِ إلَّا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الْحُدُودِ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ خَلٌّ أَوْ يَطَأَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً يَعْتَقِدُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، وَضَابِطُ الشُّبْهَةِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي فَسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيْضًا أَمْرَانِ: (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْخُرُوجُ عَنْ الشُّبُهَاتِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ كَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ مَبْتُوتَةً ثَلَاثًا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ رَمَضَانَ بِالْفِطْرِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَإِلَى أَمْثِلَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَمَا رَأَيْت مَالِكًا يَجْعَلُ الْكَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى التَّأْوِيلِ إلَّا امْرَأَةً قَالَتْ الْيَوْمَ أَحِيضُ وَكَانَ يَوْمُ حَيْضِهَا ذَلِكَ فَأَفْطَرَتْ أَوَّلَ نَهَارِهَا وَحَاضَتْ فِي آخِرِهِ وَاَلَّذِي يَقُولُ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمَادَى فَيَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَلَمْ يَمْرَضْ فِي آخِرِهِ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ مَعَهُ فَقَالَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ: وَنَظِيرُ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الْحُدُودِ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَصِيرُ خَلًّا أَوْ يَطَأَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا