للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمُوبِقَاتِ فَكَانَ يَكْفِيهِمْ قَلِيلُ التَّعْزِيرِ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى زَوَّرُوا خَاتَمَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ، وَلَمْ يَرِدْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَسْخَ حُكْمٍ بَلْ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ يَنْتَقِلُ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ.

(وَثَانِيهَا) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ وَاجِبَةُ النُّفُوذِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ كَالْمَحْدُودِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَزِّرْ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قَالَ لَهُ فِي حَقِّ الزُّبَيْرِ فِي أَمْرِ السَّقْيِ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك» يَعْنِي فَسَامَحْتَهُ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَا يَجِبُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ وَالزَّوْجِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥] فَإِذَا قَسَطَ فَتَجِبُ إقَامَتُهُ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ قَدْ يَجِبُ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، وَنَصِيبُ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَهُوَ وَاجِبٌ؛ وَلِأَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ كَانَتْ تَصْدُرُ لِجَفَاءِ الْأَعْرَابِ لَا لِقَصْدِ السَّبِّ.

(وَثَالِثِ الْفُرُوقِ) أَنَّ التَّعْزِيرَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ وَهُوَ الْأَصْلُ بِدَلِيلِ الزِّنَا مِائَةٌ وَحَدُّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ وَالسَّرِقَةُ الْقَطْعُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِثُلُثِهِمْ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَالْمَرِيضُ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ الثُّلُثِ فَلَا يَجْمَعُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الثُّلُثَ فَقَطْ لَمْ يَحْصُلْ تَنَازُعٌ فِي الْعِتْقِ، وَلَا حِرْمَانٌ مِنْ تَنَاوُلِهِ لَفْظَ الْعِتْقِ

(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ فِيمَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَالَةَ الصِّحَّةِ لَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّرَاضِي عَلَى انْتِقَاضِهَا لَمْ يَجُزْ الْقُرْعَةُ فِيهَا، وَالْأَمْوَالُ يَجُوزُ التَّرَاضِي فِيهَا قَدْ خَلَتْ الْقُرْعَةُ فِيهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ رَضِيَ تَنْفِيذَ عِتْقِ الْجَمِيعِ لَصَحَّ فَهُوَ يَدْخُلُهُ الرِّضَا اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ) :

الِاحْتِيَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ بِالْكَبَائِرِ نَظَرًا لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْكُفْرَ يُشَارِكُ مُطْلَقَ الْمَعْصِيَةِ كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً فِي أَمْرَيْنِ.

(الْأَمْرِ الْأَوَّلِ) فِي مُطْلَقِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ. (الْأَمْرِ الثَّانِي) فِي مُطْلَقِ الْمَفْسَدَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّوَاهِي تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ، وَلَكِنَّ أَعْلَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ الْكُفْرُ، وَأَدْنَاهَا الصَّغَائِرُ وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ الْكَبَائِرُ فَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَبَائِرِ.

قَالَ مَا تَهْذِيبُهُ: وَالْمَجَالُ فِي تَحْرِيرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا صَعْبٌ بَلْ التَّعَرُّضُ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ عَسِيرٌ جِدًّا وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إمَّا بِالْجَهْلِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، وَإِمَّا بِالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ التَّرَدُّدِ لِلْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِهِمْ بِزِيِّ النَّصَارَى، وَمُبَاشَرَةِ أَحْوَالِهِمْ أَوْ جَحْدِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، فَجَحْدُ إبَاحَةِ اللَّهِ التِّينَ وَالْعِنَبَ كُفْرٌ كَجَحْدِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمَعْنَى عِلْمِهِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يُشْتَهَرَ فِي الدِّينِ حَتَّى يَصِيرَ ضَرُورِيًّا فَجَحْدُ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا إجْمَاعًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا خَوَاصُّ الْفُقَهَاءِ بِحَيْثُ يَخْفَى الْإِجْمَاعُ فِيهَا لَيْسَ كُفْرًا، قَالَ: بَلْ قَدْ جَحَدَ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ كَالنَّظَّامِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِكُفْرِهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ جَحَدُوا أَصْلَ الْإِجْمَاعِ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ فِي أَدِلَّتِهِ فَمَا ظَفِرُوا بِهَا كَمَا ظَفِرَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِمْ كَمَا أَنَّ مُتَجَدِّدَ الْإِسْلَامِ إذَا قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ وَجَحَدَ فِي مَبَادِئِ أَمْرِهِ مَعْنَى شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْمَعْلُومَةِ لَنَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا نُكَفِّرُهُ لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ، وَإِنْ كُنَّا نُكَفِّرُ بِذَلِكَ الْجَحْدِ غَيْرَهُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَالَ كَيْفَ تُكَفِّرُونَ جَاحِدَ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَلَا تُكَفِّرُونَ جَاحِدَ أَصْلِ الْإِجْمَاعِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْفَرْعُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ بَلْ نُكَفِّرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الشُّهْرَةُ الْمُحَصِّلَةُ لِلضَّرُورَةِ فَمَنْ جَحَدَ إبَاحَةَ الْقِرَاضِ لَا نُكَفِّرُهُ، وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ فِيهِ إنَّمَا يَعْلَمُهُ خَوَاصُّ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْفُقَهَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يُجْعَلْ الْفَرْعُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ فَافْهَمْ، وَأَلْحَقَ الْأَشْعَرِيُّ بِالْكُفْرِ أَيَّ جُرْأَةٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إرَادَةَ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ الْكَنَائِسِ لِيَكْفُرَ فِيهَا أَوْ قَتْلِ نَبِيٍّ مَعَ اعْتِقَادِهِ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ، وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إسْلَامِ مَنْ أَتَى لِيُسْلِمَ عَلَى يَدَيْكَ فَتُشِيرُ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ إرَادَةٌ لِبَقَاءِ الْكُفْرِ، وَلَا يَنْدَرِجُ فِي إرَادَةِ الْكُفْرِ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ عَلَى مَنْ تُعَادِيهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>