للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهَا وَضَابِطُ مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ الْجَهَالَاتِ الْجَهْلُ الَّذِي يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَادَةً، وَمَا لَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يَشُقُّ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ أَحَدُهَا مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِاللَّيْلِ يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ عُفِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَحْصَ عَنْ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ

وَثَانِيهَا مَنْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا يَظُنُّهُ طَاهِرًا فَهَذَا جَهْلٌ يُعْفَى عَنْهُ لِمَا فِي تَكَرُّرِ الْفَحْصِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ.

وَكَذَلِكَ الْمِيَاهُ النَّجِسَةُ وَالْأَشْرِبَةُ النَّجِسَةُ لَا إثْمَ عَلَى الْجَاهِلِ بِهَا

، وَثَالِثُهَا مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ جُلَّابًا فَإِنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي جَهْلِهِ بِذَلِكَ

وَرَابِعُهَا مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي صَفِّ الْكُفَّارِ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي جَهْلِهِ بِهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي حَالَةِ السَّعَةِ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ عَنْ ذَلِكَ أَثِمَ.

وَخَامِسُهَا الْحَاكِمُ يَقْضِي بِشُهُودِ الزُّورِ مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِهِمْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَلَيْك مِنْ هَذَا النَّحْوِ وَمَا عَدَاهُ فَمُكَلَّفٌ بِهِ وَمَنْ أَقْدَمَ مَعَ الْجَهْلِ فَقَدْ أَثِمَ خُصُوصًا فِي الِاعْتِقَادَاتِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ شَدَّدَ فِي عَقَائِدِ أُصُولِ الدِّينِ تَشْدِيدًا عَظِيمًا بِحَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الْجَهْلِ عَنْهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي شَيْءٍ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ الْجَهْلُ فَإِنَّهُ آثِمٌ كَافِرٌ بِتَرْكِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِيمَانِ وَيَخْلُدُ فِي النِّيرَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَفْقَهُ وَلَكِنْ بَعْدَ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَذَلِكَ صَوَابٌ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: الْمَفْسُودَةِ الْمِزَاجُ فَاسِدٌ، وَصَوَابُهُ الْفَاسِدَةُ الْمِزَاجِ وَغَيْرَ مَا أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ مِنْ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ مُلْحَقَةٌ بِأُصُولِ الدِّينِ فِي أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ آثِمٌ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى التَّخْطِئَةِ وَالتَّأْثِيمِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ..

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَكَوْنُهَا فِي جَمَاعَةٍ لَيْسَ مُنْفَصِلًا مِنْ كَوْنِهَا ظُهْرًا حَتَّى إنَّهُ هُوَ الْمَنْدُوبُ بَلْ هِيَ ظُهْرٌ وَهِيَ فِي جَمَاعَةٍ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَهِيَ تَفْضُلُ عَلَى نَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ تَفْضُلُ عَلَى نَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْوَاجِبَيْنِ أَوْ أَحَدَ الْمَنْدُوبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ.

وَأَمَّا الصُّورَةُ السَّادِسَةُ فَلِأَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ صَلَاةً بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ لَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّضْعِيفَ ثَوَابُ السِّوَاكِ الَّذِي هُوَ مَنْدُوبٌ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّضْعِيفَ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْمُصَاحِبَةِ لِلسِّوَاكِ فَلَا دَلِيلَ لَا مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ الَّذِي هُوَ السِّوَاكُ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الصُّورَةُ السَّابِعَةُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحِ «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرُوِيَ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ مَنْدُوبٍ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى وَاجِبٍ إلَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابَ الْإِفْرَاطِ فِي السَّعْيِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ عَقِيبَهُ انْبِهَارٌ وَقَلَقٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُشُوعِ اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ.

وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَأَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّكِينَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ ضِدَّهُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الَّذِي هُوَ شِدَّةُ السَّعْيِ شَاغِلٌ لِلْبَالِ مُنَافٍ لِلْحُضُورِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُضُورِ مِنْ كَسْبِهِ لِكَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَمَّا هُوَ مِنْ كَسْبِهِ الَّذِي هُوَ الشُّغْلُ بِآثَارِ شِدَّةِ السَّعْيِ مِنْ الِانْبِهَارِ وَالْقَلِقِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَرْطِ الْوَاجِبِ وَلَا دَلَالَةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ عَلَى أَنَّ مُنَافَاةَ الْقَلِقِ وَالِانْبِهَارِ لِلْخُشُوعِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْوَاضِحِ إذْ ثُبُوتُهَا بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ عَنْ مُنَافَاةِ الْحُضُورِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْخُشُوعِ فَافْهَمْ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ) يَكْثُرُ الثَّوَابُ أَوْ الْعِقَابُ غَالِبًا فِي أَحَدِ فِعْلَيْنِ وَقَعَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِيمَا عَدَا الْمَصْلَحَةَ خَاصَّةً أَوْ الْمَفْسَدَةَ خَاصَّةً عَلَى حَسَبِ مَا يُدْرَكُ فِيهِ شَرْعًا مِنْ كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْمَفْسَدَةِ مَثَلًا ثَوَابُ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الدِّينَارِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الدِّرْهَمِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِ حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَلَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» «وَسَدُّ خَلَّةِ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ» لِأَنَّ

مَصْلَحَةَ

بَقَاءِ الْوَلِيِّ وَالْعَالِمِ فِي الْوُجُودِ لِنَفْسِهِ وَلِلْخَلْقِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ بَقَاءِ الْفَاسِقِ وَإِنْقَاذُ الْغَرِيقِ مِنْ بَنِي آدَمَ لِعَظِيمِ مَصْلَحَةِ بَقَائِهِ أَعْظَمُ مِنْ إنْقَاءِ الْغَرِيقِ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَإِثْمُ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالنُّفُوسِ لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهَا أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ فِي غَالِبِ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَكْثُرُ الثَّوَابُ أَوْ الْعِقَابُ فِي أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَانُونِ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ مَفْسَدَةً أَكْثَرَ عِقَابًا وَالْأَقَلُّ مَصْلَحَةً أَكْثَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>