الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّا نَحْجُرُ عَلَى مَنْ يُفَوِّتُ الْمَصْلَحَةَ كَيْفَ كَانَتْ بَلْ ضَابِطُ مَا يُحْجَرُ بِهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَسْتَجْلِبْ بِهِ حَمْدًا شَرْعِيًّا، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ بِهِ، وَالْقَيْدُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ اسْتِجْلَابِ حَمْدِ الشُّرَّابِ وَالْمَسَاخِرِ، وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ عَنْ رَمْيِ دِرْهَمٍ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِ وَعَدَمِ اكْتِرَائِهِ بِالْمَالِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي لَا يَنْفُذُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْوِلَايَةِ لَهُ فَيَلْحَقُ بِهِ الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عَقْدِ الْوِلَايَةِ، وَعَقْدُ الْوِلَايَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْصِبًا مُعَيَّنًا، وَبَلَدًا مُعَيَّنًا فَكَانَ مَعْزُولًا عَمَّا عَدَاهُ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا، وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا لَمْ يَكْفِ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ إسْمَاعُهُ وَسَمَاعُهُ إلَّا إذَا كَانَا قَاضِيَيْنِ بِبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَجَاذَبَا فِي ذَلِكَ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي فَيُعْتَمَدُ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ فُرُوعٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ لَكِنْ حَكَمَ فِيهِ بِمُسْتَنَدٍ بَاطِلٍ فَهَذَا يُنْقَضُ لِفَسَادِ الْمُدْرَكِ لَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِيهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ إذَا حَكَمَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ أَوْ خِلَافِ النَّصِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَوْ قَاعِدَةٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَلَا بُدَّ فِي الْجَمِيعِ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَيْ الْمُعَارِضِ وَالرَّاجِحِ فَإِنَّهُ لَوْ قُضِيَ فِي عَقْدِ الرِّبَا بِالْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى خِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] لِأَنَّهُ عُورِضَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قُضِيَ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ بِالثَّمَنِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ إتْلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ أَنْ يَجِبَ جِنْسُهَا لِأَجْلِ وُرُودِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ قَضَى بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَسَخْنَاهُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» ، وَلَوْ قَضَى بِاسْتِمْرَارِ عِصْمَةِ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ نَقَضْنَاهُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ أَنَّ الشَّرْطَ قَاعِدَتُهُ صِحَّةُ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَشْرُوطِ، وَشَرْطُ السُّرَيْجِيَّةِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مَشْرُوطِهِ أَبَدًا فَإِنْ تَقَدَّمَ الثَّلَاثِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَعْدَهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ حَدْسًا، وَتَخْمِينًا مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَهُوَ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَيْ بَيْنَ الْفَرْضِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ]
الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ (مِنْهَا) مَا هُوَ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَوْضِعًا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ، وَيَرْفَعَ فِيهِ الْبِنَاءَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُعَمِّقَ مَا شَاءَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا مَا فِيهِ الْحَاجَةُ فَإِنْ قِيلَ لَا حَاجَةَ فِيمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ قُلْنَا أَيُّ حَاجَةٍ فِي الْبُلُوغِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْبُلُوغَ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ مِمَّا فِيهِ الْحَاجَةُ فَيُمْلَكُ بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تَتَوَفَّرُ فِيهِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا مَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ قُلْنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ.
وَقَدْ تَوَفَّرَتْ دَوَاعِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ كَحَفْرِ الْأَرْضِ لِلْجُبُوبِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ مِلْكِ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ يُعَمِّقُهَا حَافِرُهَا مَا شَاءَ (وَمِنْهَا) أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ مَطْمُورَةً تَحْتَ مِلْكِ غَيْرِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا خِلَافَ فَلَوْ كَانَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَبْنِيَةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ قَبُولِهِ لِلْإِحْيَاءِ لَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) أَنَّ فِيمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» بِلَا رَيْبٍ إشْعَارًا بِمِلْكِ مَا تَحْتَ الشِّبْرِ مِنْ الْأَرْضِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَكُونُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِشْعَارَ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ الَّذِي هُوَ عَكْسُ الْأَهْوِيَةِ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ صَاحِبَ الطِّرَازِ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا حُفِرَ تَحْتَهُ مَطْمُورَةٍ يَجُوزُ أَنْ يَعْبُرَهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ، وَقَالَ لَوْ أَجَزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي مَطْمُورَةٍ تَحْتَهَا اهـ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا، وَمَا تَحْتَهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا الْأَهْوِيَةُ فَقَدْ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ حُكْمَهَا تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ، وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مِلْكِ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ مِنْ الْهَوَاءِ اخْتِلَافَهُمْ فِي مِلْكِ مَا تَحْتَهُ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بَلْ قَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ الْهَوَاءِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ