للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ جُهَّالِ الصُّوفِيَّةِ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ أُعْطِيَ كَلِمَةَ كُنْ وَيَسْأَلُونَ أَنْ يُعْطَوْا كَلِمَةَ كُنْ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] وَمَا يَعْلَمُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَعْلَمُونَ مَا مَعْنَى إعْطَائِهَا إنْ صَحَّ أَنَّهَا أُعْطِيت، وَهَذِهِ أَغْوَارٌ بَعِيدَةُ الرَّوْمِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَنْ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَخَرِّصِينَ فَيَهْلَكُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبُونَ وَهُمْ عَنْهُ مُتَبَاعِدُونَ عَصَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفِتَنِ وَأَسْبَابِهَا وَالْجَهَالَاتِ وَشَبَهِهَا.

(الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ النَّسَبِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِيلَادِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَنْسَابِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ طَلَبًا لِصُدُورِ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كُفْرًا وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا فَهَذِهِ كُلُّهَا وُجُوهٌ مُخِلَّةٌ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ تَقَعُ لِلْعِبَادِ الْجُهَّالِ وَمَنْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ جُهَّالِ الصُّوفِيَّةِ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ أُعْطِيَ كَلِمَةَ كُنْ وَيَسْأَلُونَ أَنْ يُعْطَوْا كَلِمَةَ كُنْ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] وَمَا يَعْلَمُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَعْلَمُونَ مَا مَعْنَى إعْطَائِهَا إنْ صَحَّ أَنَّهَا أُعْطِيت وَهَذِهِ أَغْوَارٌ بَعِيدَةُ الرَّوْمِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَنْ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَخَرِّصِينَ، فَيَهْلَكُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبُونَ وَهُمْ عَنْهُ مُتَبَاعِدُونَ عَصَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفِتَنِ وَأَسْبَابِهَا وَالْجَهَالَاتِ وَشَبَهِهَا) قُلْت إنْ كَانَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي غَيْرَهُ كَلِمَةَ كُنْ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْطِيهِ الِاقْتِدَارَ فَذَلِكَ جَهْلٌ شَنِيعٌ إنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُعْطِيهِ الِاسْتِقْلَالَ وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ بِالْمَآلِ.

وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي كُنْ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الشَّخْصِ الْكَائِنَاتُ الَّتِي يُرِيدُهَا مَقْرُونَةً بِإِرَادَتِهِ فَعَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِإِعْطَائِهِ كَلِمَةَ كُنْ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَ بِقَوْلِهِمْ قَرِينَةٌ تُفْهِمُ الْمَقْصُودَ قَالَ (الثَّانِي أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ النَّسَبِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِيلَادِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَنْسَابِ) قُلْت الْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَخَرَّجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك فَقَالَ جَمْرَةُ فَقَالَ: ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: مِمَّنْ قَالَ الْحَرَّةُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَيِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظَى قَالَ عُمَرُ أَدْرِك أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِثْلُ الْمَنْظَرِ الْقَبِيحِ يَرَاهُ الْمَرْءُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا دَخَلَ خَيْبَرَ وَرَأَى زِنْبِيلًا وَمِسْحَاةً قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» وَمِنْهُ كَرَاهَةُ إرْسَالِ الرَّسُولِ الْوَخْشَ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ أَوْ كَرَاهَةُ طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِمَّنْ كَانَ قَبِيحَ الْوَجْهِ حَذَرًا مِنْ عَدَمِ قَضَائِهَا فَهَذَا قَالَ قَبِيحٌ مُبَاحٌ، وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْفَأْلُ الْحَرَامُ الَّذِي بَيَّنَهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ: إنَّ أَخْذَ الْفَأْلِ مِنْ الْمُصْحَفِ.

وَضَرْبَ الرَّمْلِ وَالْقُرْعَةِ، وَالضَّرْبَ بِالشَّعِيرِ، وَجَمِيعَ هَذَا النَّوْعِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ لِأَزْلَامِ أَعْوَادٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَكْتُوبٌ عَلَى أَحَدِهَا افْعَلْ، وَعَلَى الْآخَرِ لَا تَفْعَلْ، وَعَلَى الْآخَرِ غُفْلٌ فَيَخْرُجُ أَحَدُهَا، فَإِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ افْعَلْ أَقْدَمَ عَلَى حَاجَتِهِ الَّتِي يَقْصِدُهَا أَوْ لَا تَفْعَلْ أَعْرَضَ عَنْهَا، وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا ذَمِيمَةٌ أَوْ خَرَجَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا غُفْلٌ أَعَادَ الضَّرْبَ فَهُوَ يَطْلُبُ قِسْمَهُ مِنْ الْغَيْبِ بِتِلْكَ الْأَعْوَادِ فَهُوَ اسْتِقْسَامٌ أَيْ طَلَبُ الْقَسْمِ، الْجَيِّدُ يَتْبَعُهُ وَالرَّدِيء يَتْرُكُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَ الْفَأْلَ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَعْتَقِدُ هَذَا الْمَقْصِدَ إنْ خَرَجَ جَيِّدًا اتَّبَعَهُ أَوْ رَدِيئًا اجْتَنَبَهُ فَهُوَ عَيْنُ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ فَيَحْرُمُ اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَمَا رَأَيْتُهُ يَعْنِي الطُّرْطُوشِيَّ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْخَيْرِ أَوْ لِلشَّرِّ هُوَ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - بِغَيْرِ سَبَبٍ تَقْتَضِيهِ عَادَةٌ رَبَّانِيَّةٌ فَالْحَقُّ بِالطِّيَرَةِ وَإِبَاحَةِ الْمُتَعَيِّنِ لِلْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْخَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَبْعَثُ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَإِبَاحَةِ الْمُتَعَيِّنِ لِلشَّرِّ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً لِلشَّرِّ وَسُوءِ ظَنٍّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - إلَّا أَنَّهُ بِسَبَبٍ تَقْتَضِيهِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّطَيُّرِ وَالْفَأْلِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ هَذَا تَوْضِيحُ وَتَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي تَجُوزُ تَعْبِيرُهَا وَقَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي لَا يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ]

(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا وَقَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي لَا يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا) ، وَهُوَ الرُّؤْيَا الْمَنَامِيَّةُ كَمَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ سَبْعَةٌ مِنْهَا لَا تُعَبِّرُ وَوَاحِدَةٌ مِنْهَا تُعَبِّرُ فَأَمَّا السَّبْعَةُ فَأَحَدُهَا وَثَانِيهَا وَثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا مَا نَشَأَتْ عَنْ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى مِزَاجِ الرَّائِي الْمَعْرُوفِ غَلَبَةُ خَلْطٍ مِنْهَا عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>