للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا الْفَنَاءَ فَطَلَبُ عَدَمِهَا طَلَبٌ لِعَجْزِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ.

(الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فَيَكُونُ الدَّاعِي طَالِبًا لِسَلْبِ ذَلِكَ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ كُفْرًا وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا

. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَعْظُمَ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْأَلَ اللَّهَ ذَلِكَ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَسْتَبْدِلَ مِنْ وَحْشَتِهِ أُنْسًا، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ فَطَلَبُ ذَلِكَ كُفْرٌ.

(الثَّانِي) أَنْ تَعْظُمَ حَمَاقَةُ الدَّاعِي وَتَجَرُّؤُهُ فَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ مِنْ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْقَضَاءِ النَّافِذِ الْمُحَتَّمِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ طَلَبُ ذَلِكَ طَلَبًا لِلشَّرِكَةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُلْكِ وَهُوَ كُفْرٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الثَّالِثُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فَيَكُونُ الدَّاعِي طَالِبًا لِسَلْبِ ذَلِكَ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ كُفْرًا وَأَلْحَقَ بِهَذِهِ الْمُثُلَ نَظَائِرَهَا) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا إنَّمَا هُوَ وَضْعٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. هَذَا إذَا أَرَادَ أَنَّ عَيْنَ الطَّلَبِ هُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ وَهُوَ الْجَهْلُ يَكُونُ سَلْبُ الِاسْتِيلَاءِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَا تَتَعَلَّقُ فَهُوَ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاته حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ) قُلْت الْكَلَامُ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ هُنَاكَ وَهُنَا مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ صَوَابُهُ بِإِجْلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ أَمَّا جَلَالُ الرُّبُوبِيَّةِ فَلَا يُخِلُّ بِهِ شَيْءٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْخَيْرُ عَكْسُ الطِّيَرَةِ وَالتَّطَيُّرِ فَإِنَّ مَا يُتَطَيَّرُ وَيُتَشَاءَمُ بِهِ لِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ هُوَ مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ السُّوءُ وَالشَّرُّ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا» أَيْ وَإِذَا خَرَجْتُمْ لِنَحْوِ سَفَرٍ، أَوْ عَزَمْتُمْ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَتَشَاءَمْتُمْ بِهِ لِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعِ مَا فِيهِ كَرَاهَةٌ فَلَا تَرْجِعُوا وَفَوِّضُوا أُمُورَكُمْ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَا إلَى غَيْرِهِ، وَالْتَجِئُوا إلَيْهِ فِي دَفْعِ شَرِّ مَا تَطَيَّرْتُمْ بِهِ اهـ قُلْت: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ خَيْبَرَ وَأَبْصَرَ مِسْحَاةً وَزِنْبِيلًا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» لِمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فَلَا تَغْفُلْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ مُتَبَايِنٌ تَبَايُنًا كُلِّيًّا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُخْتَارِ: الْفَأْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَرِيضًا فَيَسْمَعَ آخَرَ يَقُولُ: يَا سَالِمُ، أَوْ يَكُونَ طَالِبًا فَيَسْمَعَ آخَرَ يَقُولُ: يَا وَاجِدُ يُقَالُ تَفَاءَلْ بِكَذَا بِالتَّشْدِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» اهـ بِلَفْظِهِ.

لَكِنْ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ أَنَّ الْفَأْلَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الطِّيَرَةِ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُظَنُّ عِنْدَهُ الْخَيْرُ أَوْ الشَّرُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَارَةً يَتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ وَتَارَةً لِلشَّرِّ، وَتَارَةً يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا فَالْمُتَعَيِّنُ لِلْخَيْرِ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا فَلَاحُ يَا مَسْعُودُ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ حَتَّى مَتَى سَمِعَ اسْتَبْشَرَ الْقَلْبُ وَمِثْلُ الْمَنْظَرِ الْحَسَنِ يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ.

وَمِنْهُ إرْسَالُ الرَّسُولِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَطَلَبِ الْحَوَائِجِ مِمَّنْ كَانَ حَسَنَ الْوَجْهِ أَمَلًا فِي قَضَائِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ «اُطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ» وَعَقَدَهُ الصَّرْصَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ:

أَلَا يَا رَسُولَ الْإِلَهِ الَّذِي ... هَدَانَا بِهِ اللَّهُ فِي كُلِّ تِيهٍ

سَمِعْت حَدِيثًا مِنْ الْمُسْنَدَاتِ ... يَسُرُّ فُؤَادَ النَّبِيلِ النَّبِيهِ

وَأَنَّكَ قَدْ قُلْت فِيهِ اُطْلُبُوا الْحَ ... وَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ

وَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِكَ الْ ... كَرِيمِ فَجُدْ لِي بِمَا أَرْتَجِيهِ

فَهَذَا فَأْلٌ حَسَنٌ مَقْصُودٌ وَالْمُتَعَيِّنُ لِلشَّرِّ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا خَيْبَةُ يَا وَيْلُ وَمِنْهُ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْقَبِيحِ فَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حَوَّلَ أَسْمَاءً مَكْرُوهَةً مِنْ أَقْوَامٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَسْمَاءٍ حَسَنَةٍ»

<<  <  ج: ص:  >  >>