وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَتَحْرِيرُهَا وَتَعْلِيلُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهَا غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هَا هُنَا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ عَدَمُهُ فَإِذَا قُلْنَا الْحَيَاةُ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَيَاةِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْعِلْمُ بِهِ وَلَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ فَكَمْ مِنْ حَيٍّ لَا يَعْلَمُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الطَّهَارَةِ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ يُصَلِّيَ وَلَكِنْ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ سِتَارَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَوْلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا دَارَ الْحَوْلُ فَقَدْ تَجِبُ الزَّكَاةُ.
وَقَدْ لَا تَجِبُ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا أَوْ مِدْيَانًا فَوُجُودُ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ إنَّمَا اللُّزُومُ عِنْدَ عَدَمِهِ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِطَهُورٍ» لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ قَبْلُ إلَّا بِعَدَمِ الْقَبُولِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ الْقَضَاءُ بِالْقَبُولِ بَعْدُ إلَّا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْيِ النِّكَاحِ قَبْلُ إلَّا لِأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوَلِيُّ الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدُ إلَّا لِأَجْلِ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ شَيْءٌ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ عَدَمُهُ لَا وُجُودُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ أَوْ الْفَضِيلَةُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ لِجَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً وَالسِّرُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا مُطَّرِدًا فِيمَا عَدَا الشَّرْطَ وَتَكُونُ الشُّرُوطُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ إطْلَاقِ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَإِنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ الشُّرُوطِ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَلَا وَهَذَا التَّخْصِيصُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَرِيبٌ قَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ وَبِسَبَبِ التَّفَطُّنِ لَهُ يَبْطُلُ مَا يُورِدُهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْنَا فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا لَلَزِمَ الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الطَّهُورِ وَبِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْوَلِيِّ الْوَارِدِ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَنُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الشُّرُوطُ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْحَالِفِينَ وَغَيْرِهِمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَيْفَ كَانَ يَجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ إيصَالُ الصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا دَخْلَ لِلْحُكْمِ فِي كَوْنِهِ خُصُوصَ هَذَا الْهِلَالِ أَوْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنِهِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ أَوْ مِنْ سَنَةِ تِسْعِينَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ.
وَثَالِثُهَا: مُطْلَقُ غَايَاتِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ الْعَامَّةِ كَكَوْنِهِ كَمَالَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ كَمَالَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرِيعَةِ لِوُجُوبِ إيصَالِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ إلَيْهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ عَشَرَةٌ تَشْتَرِكُ كُلُّهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ وَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصٍ كَكَوْنِهِ فِيهِ وَبِهِ وَعَنْهُ وَمِنْهُ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَإِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِهَذَا الِاخْتِصَاصِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي أَبْوَابِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْعَشَرَةِ كُلِّهَا مُتَعَلِّقًا بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فَلِيَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا مُخَيَّرًا فَلِمَ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ؟ فَنَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ التَّعَلُّقُ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ قَدْ حَصَلَ تَحْتَهُ أَيْضًا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَالْأَصْلُ اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنْ خُصُوصِ كُلِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ جِنْسًا أَوْ شَخْصًا فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَوَاعِدِهِ الْعَشَرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا]
(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا)
مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ مَاهِيَّةِ الْبَيْعِ مَثَلًا الَّتِي هِيَ الْعَاقِدَانِ وَالْعِوَضَانِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَبَيْعِ السَّفِيهِ وَتَحْرِيرِهِ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ وَالْمُتَضَمِّنُ لِلْمَفْسَدَةِ فَاسِدٌ وَإِذَا كَانَ أَيْ النَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي خَارِجٍ عَنْهَا كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ وَصْفُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْكَثْرَةِ لَا نَفْسُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَانَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمًا عَنْ الْمَفْسَدَةِ النَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ عَنْهَا فَلَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَاهِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ النَّهْيِ بِرُكْنٍ مِنْ