للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْقَاعِدَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي بَعْضِ فُرُوعِهَا لَا فِي كُلِّهَا أَنَّ مَنْ جَرَى لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْلِيكِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ مَنْ مَلَكَ، وَمَلَكَ قَدْ يُخْتَلَفُ فِي هَذَا الْأَصْلِ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ وَلِذَلِكَ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا حِيزَتْ الْغَنِيمَةُ فَقَدْ انْعَقَدَ لِلْمُجَاهِدِينَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّمْلِيكِ فَهَلْ يُعَدُّونَ مَالِكِينَ لِذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ فَقِيلَ يَمْلِكُونَ بِالْحَوْزِ وَالْأَخْذِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِيلَ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالْقِيمَةِ وَإِعْطَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِالظُّهُورِ أَوْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ وَتَمْلِيكِ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهَلْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ أَوْ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ.

وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى عَكْسِ الْقِرَاضِ؟ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ: الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرِيكُ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بَاعَ شَرِيكَهُ تَحَقَّقَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِأَنْ يَمْلِكَ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ.

وَلَمْ أَرَ خِلَافًا فِي أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ: الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْفَقِيرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِصِفَةِ فَقْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَمْلَاكَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُ الْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطَى لِأَجْلِهِ فَإِذَا سَرَقَ هَلْ يُعَدُّ كَالْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ قَوْلَانِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِنَا جَرَى لَهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ فِي تَمْشِيَتِهَا عُسْرٌ لِأَجْلِ كَثْرَةِ النُّقُوضِ عَلَيْهَا أَمَّا هَذَا الْمَفْهُومُ وَهُوَ قَوْلُنَا مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْقُيُودِ فَهَذَا جَعْلُهُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِضَعْفِ الْمُنَاسَبَةِ جِدًّا أَوْ لِعَدَمِهَا أَلْبَتَّةَ.

أَمَّا إذَا قُلْنَا انْعَقَدَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْلِيكِ فَهُوَ مُنَاسِبٌ لَأَنْ يُعَدَّ مَالِكًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ تَنْزِيلًا لِسَبَبِ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ السَّبَبِ وَإِقَامَةً لِلسَّبَبِ الْبَعِيدِ مَقَامَ السَّبَبِ الْقَرِيبِ فَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَخَيَّلَ وُقُوعُهُ قَاعِدَةً فِي الشَّرِيعَةِ أَمَّا مُجَرَّدُ مَا ذَكَرُوهُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ وَالْقَبُولِ لِلْمُلْكِ وَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ قَاعِدَةً وَتَتَخَرَّجُ تِلْكَ الْفُرُوعُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَفِي الثَّوْبِ لِلسُّتْرَةِ يُلَاحَظُ فِيهَا قُوَّةُ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَوْ أَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ فَيَلْزَمُهُ وَيُكَافِئُ عَنْهُ إنْ شَاءَ.

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمَاءِ يُوهَبُ لَهُ هَلْ يَنْظُرُ إلَى يَسَارَتِهِ فَلَا مِنَّةَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي خِلَافَتِهِمَا لَكِنَّهُمَا تَرَكَاهَا عِلْمًا مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَلَمْ يَرَيَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ حِينَئِذٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقُولَا بِهِ فَهَذِهِ وُجُوهٌ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمُوجِبَةٌ لَأَنْ يُخَالِفَ أَصْلَهُ لَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَخْذِ الْأَعْوَاضِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الزِّنَا]

(الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنَّ أَخْذِ الْجِزْيَةِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ يَجُوزُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إنَّ أَخْذَ الْأَعْوَاضِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا) .

وَهُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى مُدَاوَمَةِ الزِّنَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَفْسَدَةٌ صِرْفَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ الْمَصْلَحَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي هِيَ أَخْذُ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهُ وَلَا تُبِيحُهُ وَإِنَّمَا الَّذِي مِنْ الشَّرَائِعِ الْوَاقِعَةِ وَتُبِيحُهُ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ هُوَ عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ تَرْجِيحُ الْمَصْلَحَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ إزَالَةُ مُنْكِرٍ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْعَظِيمَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي هِيَ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ لِمَنْ يَأْكُلُهَا حَرَامًا كَمَا فِي دَفْعِ الْمَالِ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى الْكُفَّارِ وَهُمْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَكْلُ ذَلِكَ الْمَالِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ الْمُحَرَّمِ لِتَخْلِيصِ الْأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ.

وَكَمَا فِي دَفْعِ الْمَالِ الْيَسِيرِ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِلْمُحَارِبِ لِيُسَلِّمَ دَفْعَ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَعَهُ فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ صِرْفَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ الْإِقْرَارُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَخْذِهَا لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْعُلْيَا الَّتِي هِيَ انْسِدَادُ بَابِ الْإِيمَانِ وَبَابِ مَقَامِ سَعَادَةِ الْجِنَانِ عَلَى الْكَافِرِ إذَا قُتِلَ لِيَتَحَتَّمَ الْكُفْرُ عَلَيْهِ وَالْخُلُودُ فِي النِّيرَانِ وَغَضَبُ الدَّيَّانِ حِينَئِذٍ وَلِتَوَقُّعِ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا الَّتِي هِيَ إمَّا رَجَاءُ الْإِسْلَامِ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَزْمَانِ مِنْ الْمُقِرِّ عَلَى الْكُفْرِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ سِيَّمَا مَعَ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِلْجَاءِ إلَيْهِ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَيَلْزَمُ مِنْ إسْلَامِهِ إسْلَامُ ذُرِّيَّتِهِ فَتَتَّصِلُ سِلْسِلَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِهِ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ وَإِمَّا رَجَاءُ إسْلَامِ ذُرِّيَّتِهِ الْمُخَلَّفِينَ مِنْ بَعْدِهِ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>