للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ قُلْت وَكَذَلِكَ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبَّبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَثُوبَاتٍ وَتَعْزِيرَاتٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا أَوْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرَتُّبِ، بَلْ نَقُولُ الزَّوَالُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَوُجُوبُ الظُّهْرِ سَبَبٌ لَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ سَبَبَ الثَّوَابِ وَتَرْكُهُ سَبَبَ الْعِقَابِ وَوُجُوبُهُ سَبَبٌ لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَرَتَّبَ عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَبَبًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، بَلْ الضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ أَنَّ الْخِطَابَ مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مُكَلَّفٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ خِطَابُ الْوَضْعِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ (فَإِنْ قُلْت) الْمِلْكُ حَيْثُ وُجِدَ هَلْ يُتَصَوَّرُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَوْلُهُ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا) قُلْت لَمَّا فَسَّرَ الْمِلْكَ بِالْإِبَاحَةِ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ الْمِلْكُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالِانْتِفَاعُ مُتَعَلِّقُ الْمِلْكِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُتَعَلِّقِ أَنَّهُ سَبَبُ الْمُتَعَلِّقِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّوَسُّعِ فِي الْعِبَارَاتِ لَا عَلَى الْمُتَقَرِّرِ فِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ (وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرَتُّبِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا عَدَا قَوْلَهُ إنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ قَبْلَ هَذَا.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ.

هَذَا وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ الْمَذْكُورِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَكَاهَا اللَّخْمِيُّ قَالَ قِيلَ تُضَمُّ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَوْلٌ وَالْآخَرُ فِعْلٌ وَيَقْضِي بِهَا، وَقِيلَ لَا يُضَمَّانِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يُضَمَّانِ فِي الْأَقْوَالِ فَقَطْ، وَقِيلَ يُضَمَّانِ إذَا كَانَتَا عَلَى فِعْلٍ فَإِنْ كَانَ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلٍ وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلٍ لَمْ يُضَمَّا اهـ قَالَ الْأَصْلُ وَالْقَوْلُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَاحِظْ قَاعِدَةَ الْإِنْشَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَا عَلَى الْخَبَرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْخَبَرُ دُونَ الْإِنْشَاءِ أَوْ هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَقْضِ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ أَلْبَتَّةَ كَمَا نَفْعَلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَضَمُّ الْأَفْعَالِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ مَعَ تَعَذُّرِ الْإِخْبَارِ فِيهَا مُلَاحَظَةً لِلْمَعْنَى دُونَ حُصُولِ السَّبَبِ فَإِنَّ كُلَّ شَاهِدٍ شَهِدَ بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ وَبِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ لَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَرَّحَا بِالطَّلَاقِ هَكَذَا انْضَمَّتْ الشَّهَادَاتُ.

وَأَمَّا عَدَمُ الضَّمِّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ، الرَّابِعُ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلٍ وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلِ فُلَانٍ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ الْجِنْسِ وَالضَّمُّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَضَمُّ الشَّيْءِ إلَى جِنْسِهِ أَقْرَبُ مِنْ ضَمِّهِ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ فَافْهَمْ (تَنْبِيهٌ)

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي مُحَرَّمٍ إنْ فَعَلْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي صَفَرٍ وَشَهِدَا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُمَا بِالْفِعْلِ بَعْدَ صَفَرٍ طَلُقَتْ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّعْلِيقِ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ وَلَهُ وَاخْتَلَفَا فِي زَمَنِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ شَهِدَا فِي مَجْلِسٍ عَلَى التَّعْلِيقِ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فَعَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الشَّرْطَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ طَلُقَتْ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّعْلِيقِ وَوُقُوعِ الشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَسَبَا قَوْلَهُ لِمَكَانَيْنِ اهـ قَالَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ إذَا حُمِلَ الثَّانِي عَلَى الْخَبَرِ أَمَّا لَوْ صَمَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَلَا يُوجَدُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ الضَّمُّ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِنَّمَا وُجِدَ فِي الْإِطْلَاقَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عَلَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ فَالْقَوْلُ فِي أَلْفَاظِ التَّعَالِيقِ كَالْقَوْلِ فِي أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءَاتِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِذَا شَهِدَا بِتَعْلِيقَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانَيْنِ كَرَمَضَانَ وَصَفَرٍ كَمَا قَالَ يَعْنِي مَالِكًا فِي أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءَاتِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ التَّعْلِيقَ الثَّانِيَ خَبَرًا عَنْ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ أَيْ عَنْ ارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى لَا إنْشَاءً لِلرَّبْطِ وَفِي الْأَوَّلِ إنْشَاءُ الرَّبْطِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْخَبَرِ أَيْ حَمْلِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ الْإِنْشَاءُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُهُ]

(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُهُ)

مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَضَابِطُ الْفَرْقِ وَسِرُّهُ أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ لَا تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا كَانَتْ مِمَّا رَضِيَ بِهِ كَالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ أَوْ مِمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ كَالصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ كَانَ هُوَ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا كَمَا لَمْ يَرْضَ الْحَرْبِيُّ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْعِبَادِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَفِّيهَا أَهْلَهَا فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْكَافِرِ بِإِسْلَامِهِ أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَلِأَمْرَيْنِ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» الْأَمْرُ الثَّانِي الْفَرْقُ بَيْنَ حُقُوقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>