للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْإِبَاحَةِ.

وَالتَّعْلِيقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولَ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ (فَإِنْ قُلْت) الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ، فَيَكُونُ سَبَبًا، فَيَكُونُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

إنَّهُ إبَاحَةٌ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (فَإِنْ، قُلْت الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ إلَى

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَقْدَ عِتْقِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَيْضًا كَذَلِكَ لَحَصَلَتْ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِعِتْقِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَوْلَانِ إنْشَاءً أَوْ كَانَا خَبَرًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ وُقُوعُ عِتْقِهِ إيَّاهُ قَدْ حَصَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ تِلْكَ التَّقَادِيرِ نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ إنْشَاءٍ كَالْأَوَّلِ فَهَا هُنَا لَا يَصِحُّ ضَمُّ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى عَقْدِ الْعِتْقِ إلَّا شَاهِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّمَا شَهِدَ بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْعَقِدُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ عِتْقُهُ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ كَانَ عَقْدَ عِتْقِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنْشَاءً لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ كَمَا يَصْدُقُ بِالْعَكْسِ مَعَ أَنَّ كَمَالَ نِصَابِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى صِدْقِهِ عَلَى الثَّانِي أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَلَيْهِ تَأْسِيسَ إنْشَاءٍ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ شَهَادَةً بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إلَخْ نَعَمْ لَوْ قَامَتْ قَرِينَةُ مَقَالِهِ أَوْ حَالِهِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي شَهِدَ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ إنْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ إلَخْ يَشْمَلُ احْتِمَالَ التَّأْسِيسِ عَلَى هَذَا الْأَوَّلِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَإِنْصَافٍ

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَمْ كَيْفَمَا كَانَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَإِنْ قَبِلَتْ الضَّمَّ ضُمَّتْ وَإِلَّا فَلَا فَبَقِيَ الْقَوْلُ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ كَمَنْ يَقُولُ فِي رَمَضَانَ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَتَكْمُلُ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّينَارِ وَفِي الْفِعْلِ كَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي شَوَّالٍ فَيُشَاهِدُهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَشْرَبُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَيُشَاهِدُهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعًا قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى مُشَاهَدَتِهِمَا إيَّاهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَتُمْكِنُ الشَّهَادَةُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا قَالَ فِي رَمَضَانَ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى قَصْدِ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ لِعَقْدِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ فِي شَوَّالٍ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ بِعَيْنِهِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ آخَرُ وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَقْدَ الْعِتْقِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَاهَدَ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا فِي شَوَّالٍ وَشَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَاهَدَ قَتْلَهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ تُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ رَمَضَانَ وَصَفَرٍ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ تَأْسِيسَ الْإِنْشَاءِ، فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ انْحَلَّتْ عِصْمَتُهُ عَنْهَا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِ الْخَبَرِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي يُبْعِدُ اطِّلَاعَ الشَّاهِدِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ لِاحْتِمَالِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَصْدَ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ وَقَصْدَ تَأْكِيدِهِ وَقَصْدَ الْخَبَرِ وَتَرْجِيحُ قَصْدِ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>