للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَبَائِرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ شَاقَّةُ الضَّبْطِ عَسِيرَةُ التَّحْرِيرِ وَفِيهَا غَوَامِضُ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي عِنْدَ حُلُولِ النَّوَازِلِ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَاعْتِبَارِ حَالِ الشُّهُودِ فِي التَّجْرِيحِ وَعَدَمِهِ وَأَنَا أَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ وَمَا لَا أَعْرِفُهُ وَعَجَزَتْ قُدْرَتِي عَنْهُ فَحَظِّي مِنْهُ مَعْرِفَةُ إشْكَالِهِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِشْكَالِ عِلْمٌ فِي نَفْسِهِ وَفَتْحٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَأَقُولُ: إنَّ الْكَبِيرَةَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي أَمْ لَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: إنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٌ نَظَرًا إلَى مَنْ عُصِيَ بِهَا وَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ تُسَمَّى مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ مَعَ أَنَّهُمْ وَافَقُوا فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ وَأَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا يَكُونُ قَادِحًا فِي الْعَدَالَةِ وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ قَادِحًا هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: ٧] فَجَعَلَ الْكُفْرَ رُتْبَةً وَالْفُسُوقَ رُتْبَةً ثَانِيَةً وَالْعِصْيَانَ يَلِي الْفُسُوقَ وَهُوَ الصَّغَائِرُ فَجَمَعَتْ الْآيَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَتُسَمَّى بَعْضُ الْمَعَاصِي فِسْقًا دُونَ الْبَعْضِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ» وَعَدَّهَا إلَى آخِرِهَا فَخَصَّ الْكَبَائِرَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً تَخْصِيصًا لَهُ بِاسْمٍ يَخُصُّهُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيُلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَشَدُّ وَمِنْهَا مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَخَفُّ وَمَا أَرَاهُ يُخَالِفُ فِي هَذَا أَيْضًا أَحَدٌ فَلَا خِلَافَ إذًا فَإِنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَغَايِرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا فِي اللَّفْظِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ تَسْمِيَةِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى مَنْعِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إلَّا فِي مَحَلِّ تَبَيُّنِ تَفَاوُتِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ وَإِلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ.

قَالَ: (وَقَالَ: بَعْضُهُمْ بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ تَخْصِيصُ الْكَبَائِرِ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ) قُلْتُ: مَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَوَاهِرُ وَلَعَلَّ الْمَرَامَ الْقَطْعُ فِي الْمَسْأَلَةِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى وَهُوَ تَفَاوُتُ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ.

قَالَ: (وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً إلَى قَوْلِهِ وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا) قُلْتُ: الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّنُوبِ فِي الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ.

قَالَ: (فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَقَطْ كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَى الْمُسْتَبْرَأَةِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُكْرَهُ الزَّوْجَةُ عَلَى الزِّنَا فَيَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الزَّوْجِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الزِّنَا وَلِأَنَّهُ يُلَاعِنُ حِينَئِذٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ وُجُودِهِ يَمْنَعُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالْأَوَّلِ أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَالثَّانِي وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ: أَحَدُهَا الْمَاءُ يَمْنَعُ وُجُودَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ إذْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهَا أَمْ لَا فَلَا يُبْطِلُهَا خِلَافٌ، الثَّانِيَةُ الطَّوْلُ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهُ أَوْ لَا فَلَا يُبْطِلُهُ خِلَافٌ، الثَّالِثَةُ الْإِحْرَامُ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ إذَا طَرَأَ عَلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي زَمَنِ الْحِلِّ فَيَجِبُ إرْسَالُهُ أَمْ لَا فَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ خِلَافٌ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ]

(الْفَرْقُ الْعَاشِرُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ) مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ مُعْتَبَرٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِعَدَمِهِ لَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْإِغْمَاءِ وَأَنَّ عَدَمَ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا تَجِبُ بِهِ لِعَدَمِ النِّصَابِ فَكُلٌّ مِنْ عَدَمِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ الْحَيْضِ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ فِقْدَانِهِ الْعَدَمُ فَهُمَا فِي غَايَةِ الِالْتِبَاسِ حَتَّى أَنَّك لَا تَجِدُ فَقِيهًا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ: عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضِينَ فِيمَا إذَا شَكَكْنَا فِي طُرُوءِ الْمَانِعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ النَّقِيضِينَ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ فَقَدْ شَكَكْنَا فِي عَدَمِهِ بِالضَّرُورَةِ وَعَدَمُهُ شَرْطٌ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ فَيَجْتَمِعُ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ وَالشَّرْطُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مُلْغًى فِي الشَّرِيعَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي الشَّرْطِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ حُكْمًا أَوْ فِي الْمَانِعِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ فَإِذَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ زَوَالَهَا بَلْ نَسْتَصْحِبُ الْحَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَكَذَا الشَّكُّ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الظُّهْرِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَإِذَا شَكَكْنَنَا فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَمْ نُقَدِّمْ عَلَى الصَّلَاةِ.

وَإِذَا شَكَكْنَا فِي رِدَّةِ زَيْدٍ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>