وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا شُكَّ فِيهِ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَمُ، وَكَذَلِكَ السَّبَبُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ الْعَدَمُ بَلْ يَتَرَتَّبُ الثُّبُوتُ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ، وَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك شَرْطِيَّةَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهَا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَلَا فِي الْمَوَانِعِ بَلْ أُهْمِلَتْ وَذِكْرُهَا مُتَعَيِّنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَسْبَابِ وَأَمَّا الْمَوَانِعُ فَأَقْصَى مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَغَالِبُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ الْكُفْرُ وَالْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الشَّكَّ احْتِرَازًا مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ أَوْ الرَّدْمِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمْ، وَاللِّعَانَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إرْثِ الْأَبِ وَالْإِرْثِ مِنْهُ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَبِقَرَابَتِهِ وَرُتْبَتِهِ مِنْهُ أَوْ الْحُكْمُ بِذَلِكَ قَالَ
(وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا شُكَّ فِيهِ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَمُ، وَكَذَلِكَ السَّبَبُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ الْعَدَمُ بَلْ يَتَرَتَّبُ الثُّبُوتُ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك شَرْطِيَّةَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهَا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَلَا فِي الْمَوَانِعِ بَلْ أُهْمِلَتْ وَذِكْرُهَا مُتَعَيِّنٌ) قُلْت: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَلَاثَةً بَلْ شَرْطٌ وَاحِدٌ فَقَطْ قَالَ (وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَسْبَابِ وَأَمَّا الْمَوَانِعُ فَأَقْصَى مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَغَالِبُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ الْكُفْرُ وَالْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الشَّكَّ احْتِرَازًا مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ أَوْ الرَّدْمِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمْ وَاللِّعَانَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إرْثِ الْأَبِ وَالْإِرْثِ مِنْهُ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَهُ هُوَ تَعَالَى رَتَّبَ أَفْعَالَهُ وَرَتَّبَ أَسْبَابَهَا وَرَتَّبَ الْعَوَائِدَ عَلَى أَسْبَابٍ. مِثَالُ ذَلِكَ: الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا رَأَتْ صُورَةً تَسْتَحْسِنُهَا فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ فَإِنْ لَمْ تَنْطِقْ بِحَرْفٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ شَيْئًا، وَإِنْ نَطَقَتْ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ الْجَمَالِ فَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّهُ إذَا خَلَقَ النُّطْقَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعَجُّبِ مَثَلًا مِنْ الْعَائِنِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَدَنِ الْمُعَيَّنِ الْمَرَضَ وَالْهَلَكَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلِذَلِكَ نَهَى الْعَائِنَ عَنْ الْقَوْلِ، وَالْبَارِي تَعَالَى وَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي حُكْمِهِ الْوُجُودُ بِذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ مِنْ حِكْمَتِهِ أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ سَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ، وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ يَرُدُّ قَضَاءَهُ بِقَضَائِهِ، وَمِنْ حِكْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ وُضُوءَ الْعَائِنِ يُسْقِطُ أَثَرَ عَيْنِهِ وَذَلِكَ بِخَاصَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا خَالِقُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَكَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ عِنْدَ قَوْلِ السَّاحِرِ وَفِعْلِهِ فِي جِسْمِ الْمَسْحُورِ أَوْ مَالِهِ وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ بِمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ. وَمِنْ فُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفَضْلِهَا وَحِكْمَتِهَا الْبَالِغَةِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرُّقَى مِنْ إذْهَابِ الْأَمْرَاضِ مِنْ الْأَبْدَانِ بِهَا وَإِبْطَالِ سِحْرِ السَّاحِرِ وَرَدِّ عَيْنِ الْعَائِنِ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ بِهَا وَدَفْعِ كُلِّ ضَرَرٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْبَارِئُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ الشِّفَاءَ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ كَمَا خَلَقَ الشِّفَاءَ مِنْ الدَّاءِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ، وَلَا حَظَّ لِلدَّوَاءِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ فِي عَقْلِ عَاقِلٍ أَنْ يَكُونَ جَمَادٌ فَاعِلًا وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَصْرِفُ الْأَعْمَالَ الْغَرِيبَةَ دَاخِلَ الْبَدَنِ بِالْأَدْوِيَةِ كَذَلِكَ يَصْرِفُهَا خَارِجَ الْبَدَنِ بِالرُّقَى وَالتَّعْوِيذِ وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ، وَالشَّاهِدُ أَقْوَى مِنْ الدَّلِيلِ النَّظَرِيِّ. اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقَاعِدَةِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقَاعِدَةِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَا بَيْنَهُمْ وَقِتَالِهِمْ وَبَيْنَ الْمُحَارِبِينَ وَقِتَالِهِمْ) فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُحَارِبِينَ بِوَجْهَيْنِ. (الْأَوَّلِ) الْبُغَاةِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ هُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ يَبْغُونَ خَلْعَهُ أَوْ مَنْعَ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ وَمَنْعَ حَقٍّ وَاجِبٍ بِتَأْوِيلٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ الْأَصْلُ، وَمَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا. اهـ. وَالْمُحَارِبُونَ جَمْعُ مُحَارِبٍ وَهُوَ كَمَا فِي خَلِيلٍ، وَأَقْرَبِ الْمَسَالِكِ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ أَوْ آخِذُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَالْبُضْعُ أَحْرَى عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ أَوْ مَذْهَبُ عَقْلٍ، وَلَوْ انْفَرَدَ، وَلَوْ بِبَلَدٍ كَمَسْقِيٍّ نَحْوِ سَيْكَرَانَ لِذَلِكَ، وَمُخَادِعُ مُمَيِّزٍ لِأَخْذِ مَا مَعَهُ بِتَعَذُّرِ غَوْثٍ، وَدَاخِلُ زُقَاقٍ أَوْ دَارٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِأَخْذِ مَالٍ بِقِتَالٍ.
(الْوَجْهِ الثَّانِي) نَقَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْبُغَاةَ وَلَّوْا قَاضِيًا أَوْ أَخَذُوا الزَّكَاةَ، وَأَقَامُوا حَدًّا نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلضَّرُورَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ، وَبِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَرَدَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلَّهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُحَارِبُونَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قِتَالِهِمْ وَقِتَالِ الْمُحَارِبِينَ بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّ الْمُحَارِبِينَ يُقَاتَلُونَ مُدْبِرِينَ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَمُّدُ قَتْلِهِمْ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الثَّالِثِ) أَنَّهُمْ يُطَالَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الرَّابِعِ) أَنَّهُ يَجُوزُ حَبْسُ أَسْرَاهُمْ لِاسْتِبْرَاءِ أَحْوَالِهِمْ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الْخَامِسِ) أَنَّ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قِتَالِهِمْ وَقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: الْأَوَّلِ أَنْ يَقْصِدَ بِقِتَالِهِمْ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الثَّانِي أَنْ يَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الثَّالِثِ أَنْ لَا يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الرَّابِعِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَسْرَاهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الْخَامِسِ أَنْ لَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. السَّادِسِ أَنْ لَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. السَّابِعِ أَنْ لَا يُسْتَعَانَ عَلَى قِتَالِهِمْ بِمُشْرِكٍ بِخِلَافِ