بَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْمَقَاصِدِ وَالْوَرَعُ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ فَتَأَمَّلْهُ فَقَدْ نَازَعَنِي فِيهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْمَقَاصِدِ وَالْوَرَعُ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ فَتَأَمَّلْهُ فَقَدْ نَازَعَنِي فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ)
قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ لِلُزُومِ الْمَذْهَبِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ جَمِيعًا لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ؛ إذْ يَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ فِي الْأَوَّلِ، وَالتَّرْكُ فِي الثَّانِي، وَأَمَّا فِي الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالتَّحْلِيلِ أَوْ فِي التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ فَقَدْ يَتَوَهَّمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ مُشْتَرَكَةٌ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ، وَالِاثْنَانِ مُشْتَرِكَانِ فِي رُجْحَانِ التَّرْكِ لَكِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ لُزُومُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ، وَمُقَلِّدُهُ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ فِي الْمُقَلِّدِ: إنَّهُ يَسُوغُ لَهُ تَقْلِيدُ أَحَدِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ مَثَلًا لَا بِعَيْنِهِ وَيَفْعَلُ الْفِعْلَ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ لَكِنْ لَا أَعْرِفُهُ لِأَحَدٍ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، وَمَا وَجْهُ الشِّهَابِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ وَالتَّضَادَّ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَالْمُتَعَلَّقُ وَالْإِضَافَةُ لَا يَصِحُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي التَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ وَمُقَلِّدَهُ مُوَافَقَةُ اجْتِهَادِهِ فِي عَمَلِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى مُقَلِّدِهِ مُخَالَفَتُهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ هُوَ قَوْلُ مُنَازِعِي الشِّهَابِ فِي ذَلِكَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَحَكِّمُوا الْحُدُودَ.
وَقَدْ حَكَّمْنَا حَدَّ الْمَانِعِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَمْ نَجِدْهُ مُنْطَبِقًا عَلَى هَذَيْنِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: تَقَدُّمُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ عَلَى الْوَارِثِ، وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ كَالْجَنِينِ، وَالْعِلْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ قَالَ: وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ الْفَرْضِيِّينَ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَلَا فِي الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا بَلْ أَهْمَلُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ شُرُوطَ التَّوَارُثِ قَطُّ مَعَ أَنَّ لَهُ شُرُوطًا قَطْعًا كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَإِنْ كَانُوا قَدْ تَرَكُوهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ اسْتِيعَابُ الثَّلَاثَةِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا شُرُوطَ لِلتَّوَارُثِ بَلْ أَسْبَابٌ وَمَوَانِعُ فَقَطْ وَرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا ضَابِطُ الشَّرْطِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْفُرُوقِ مِنْ أَنَّهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ - وَلَوْ شَكًّا - الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ فَبِتَحْكِيمِ الْحُدُودِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْفُضَلَاءِ يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ شُرُوطٌ لِلتَّوَارُثِ لَا أَسْبَابٌ وَلَا مَوَانِعُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ أَيْ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا مَثَلًا احْتِرَازٌ مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ مِنْ مُضَرَ أَوْ قُرَيْشٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَرِيبٌ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ كُلَّ قُرَشِيٍّ ابْنُ عَمِّهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَكِنَّهُ لَمَّا فَقَدَ شَرْطَ إرْثِهِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِدَرَجَتِهِ مِنْهُ؛ إذْ مَا مِنْ قُرَشِيٍّ إلَّا لَعَلَّ غَيْرَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ جُعِلَ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ دُونَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهَا إلَّا فِي نُهُوضِ الْأَسْبَابِ لِتَرَتُّبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَيْهَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ بَلْ الْوُجُودُ إنْ وَقَعَ فَهُوَ لِوُجُودِ الْأَسْبَابِ لَا لَهَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَدَمُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلِعَدَمِ السَّبَبِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ شُرُوطًا. اهـ. بِتَهْذِيبٍ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أَوَّلًا بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ الْحُكْمُ بِحَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ وَبِنِسْبَتِهِ وَرُتْبَتِهِ مِنْهُ لِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) : أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ تَقَدُّمِ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ وَجَعْلِهِ شَرْطًا، وَحَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ شَرْطًا آخَرَ
(الثَّانِي) : أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْمَوْرُوثِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَارِثِ شَرْطًا لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) امْتِنَاعُ تَوْرِيثِ مَنْ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ فِيهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ (وَثَانِيهِمَا) : صِحَّةُ التَّوْرِيثِ بِالتَّعْمِيرِ فِي الْمَفْقُودِ وَثَانِيًا بِأَنَّ جَعْلَهُ الْعِلْمَ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا احْتِرَازٌ مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ إلَخْ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَضَهُ الْحُكْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا، وَلَكِنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا)
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْبِدَعِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِ الْأَصْلِ: الْأَصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ
(الْأَوَّلُ) : وَاجِبٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا.
وَإِهْمَالُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا
(الثَّانِي) : مُحَرَّمٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ، وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوَارُثِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ
(الثَّالِثُ) مَنْدُوبٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَيْ الَّذِي عَمِلَ بِهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَمَعَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى