للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ دُخُولَ الْوَرَعِ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا جَمِيعَ رَأْسِهِ قَالُوا: لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْعِلْمُ بِهِ عَادَةً، وَإِنْ عَنَى كَمَا إذَا قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ رَأَيْنَاهُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ عَامِ سَبْعِمِائَةٍ بِمَكَّةَ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى: رَأَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ بِالْمَدِينَةِ فَهَذَا تَعَارُضٌ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا بِالتَّرْجِيحِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا الصُّورَةُ الْأُولَى فَإِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مِثْلِ هَذَا الِاجْتِهَادِ ثَبَتَ الْخِلَافُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِأَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا عِنْدَ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ كَالْمُجْتَهَدِينَ، وَكُلُّ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُهُ، وَكُلُّ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ الْمَذْهَبُ الْآخَرُ لَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُهُ فَلَا وَرَعَ بِاعْتِبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ حُكْمُهُ التَّقْلِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِالتَّقْلِيدِ، فَإِذَا قَلَّدَ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَتَمَكَّنُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَفِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ، وَلَا أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، وَالْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ دَائِرُونَ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، وَالْمُجْتَهِدُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْأَخْذِ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ فَلَا يَصِحُّ الْوَرَعُ الَّذِي يَقْتَضِي خِلَافَ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْوَرَعِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِينَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَالِثَ يَصِحُّ ذَلِكَ الْوَرَعُ فِي حَقِّهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

قَالَ (وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ دُخُولَ الْوَرَعِ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا جَمِيعَ رَأْسِهِ قَالُوا: لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالثَّالِثُ أَنَّ الشَّرِكَةَ لَوْ أَسْقَطَتْ الْقِصَاصَ كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْقَتْلِ، الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَشْهُورُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتْلُهُمْ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَفِي الْإِقْنَاعِ وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَالِحًا لِلْقَتْلِ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، مَا لَمْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى ذَلِكَ أَيْ الْفِعْلِ لِيَقْتُلُوهُ بِهِ فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إلَى دَرْءِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ لَبَطَلَتْ حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] بِزِيَادَةٍ مِنْ كَشَّافِ قِنَاعِهِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِأَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ، الْقَوْلُ الرَّابِعُ لِلزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ يُقْتَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَعَلَى الْبَاقِي حِصَصُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُكَافِئٌ لَهُ فَلَا يَسْتَوِي إبْدَالٌ فِي مُبْدَلٍ مِنْهُ وَاحِدٍ كَمَا لَا تَجِبُ دِيَاتٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: ١٧٨] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْأَوْصَافِ يَمْنَعُ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ قَوْلَانِ لِلْأَئِمَّةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» الْقَوْلُ الثَّانِي لِأَبِي حَنِيفَةَ يُقْتَلُ بِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] وَهَذَا قُتِلَ مَظْلُومًا فَيَكُونُ لِوَلِيِّهِ سُلْطَانٌ وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَكَذَا سَائِرُ الْعُمُومَاتِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَتْلِ الْمُمْسِكِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي قَتْلِ مُمْسِكِ الْمَقْتُولِ لِلْقَاتِلِ مَعَ الْقَاتِلِ أَوْ لَا بَلْ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ قَوْلَانِ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْعُمُومَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى الْمُمْسِكِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَعَلَى الْمُكْرَهِ قُلْتُ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَفِي الْإِقْنَاعِ وَكَشَّافِ قِنَاعِهِ، وَإِنْ أَكْرَهَ مُكَلَّفٌ مُكَلَّفًا عَلَى قَتْلِ مُعَيَّنٍ فَقَتَلَهُ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ تَسَبَّبَ إلَى قَتْلِهِ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا وَفِيهِمَا أَيْضًا، وَإِنْ أَكْرَهَ سَعْدٌ زَيْدًا عَلَى أَنْ يُكْرِهَ عَمْرًا عَلَى قَتْلِ بَكْرٍ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الثَّلَاثَةُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى الْمُبَاشِرُ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ ظُلْمًا وَالْآخَرَانِ لِتَسَبُّبِهِمَا إلَى الْقَتْلِ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا. اهـ الْمُرَادُ فَافْهَمْ. وَالثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَيْنِ وَقَاعِدَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ]

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَيْنَيْنِ وَقَاعِدَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ كَالْأُذُنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ كَامِلَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَإِنْ أَخَذَ فِي الْأُولَى نِصْفَ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا أَذْهَبَ رَجِلٌ بِضَرْبَةٍ سَمْعَ الْأُذُنِ الْأُخْرَى مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ بِأَحَدِ أُذُنَيْهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَنَحْوِ أُذُنِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِأَحَدِ أُذُنَيْهِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ.

لَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ قَضَوْا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعَيْنَ الذَّاهِبَةَ يَرْجِعُ ضَوْءُهَا لِلْبَاقِيَةِ لِأَنَّ مَجْرَاهُمَا فِي النُّورِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِبْصَارُ وَاحِدٌ كَمَا شَهِدَ بِهِ عِلْمُ التَّشْرِيحِ؛ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ إذَا غَمَّضَ إحْدَى عَيْنَيْهِ اتَّسَعَ ثُقْبُ الْأُخْرَى بِسَبَبِ مَا انْدَفَعَ لَهَا مِنْ الْأُخْرَى وَقَوِيَ إبْصَارُهَا، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي إحْدَى الْأُذُنَيْنِ إذَا سُدَّتْ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إذَا ذَهَبَتْ الْأُخْرَى أَوْ قُطِعَتْ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ إلَّا الْعَيْنَ لِمَا تَقَدَّرَ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْرَى فَكَانَتْ الْعَيْنُ الْبَاقِيَةُ فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ فَوَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>