للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَعْنَا النَّجَاسَةَ فِي طَرَفِهِ بَلْ الْأَجْزَاءُ بَعِيدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِتَطْهِيرِ الْأَجْزَاءِ الْبَعِيدَةِ رُخْصَةً بَلْ قَضَاءً بِالْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ وَكَذَلِكَ إذَا تَوَالَى الصَّبُّ وَالْغُسْلُ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ فَقُطِعَ بِعَدَمِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ نَجِسَةً أَوْ مُتَنَجِّسَةً فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ حُكْمُ التَّنْجِيسِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ كَمَا يَزُولُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِعَدَمِ النِّصَابِ وَيَزُولُ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ لِزَوَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا رُخْصَةً فَكَذَلِكَ هَا هُنَا فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْعَزَائِمِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ لَا عَلَى خِلَافِهَا

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْحَدَثِ عَنْ الرَّجُلِ خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُفِّ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ فَتَاوَى مُشْكِلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ وَأَحْكَامِهَا وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْجُنُبِ يُرِيدُ النَّوْمَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِلنَّوْمِ خَاصَّةً لَا لِلصَّلَاةِ وَلَا لِغَيْرِهَا فَقَالَ الْفُقَهَاءُ هَذَا وُضُوءٌ يَرْفَعُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً فَهَذَا حَدَثٌ قَدْ ارْتَفَعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَهَذَا وُضُوءٌ لَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَإِنَّمَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ الْجَنَابَةُ فَقَطْ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الْحَدَثِ فِي الْمَذْهَبِ وَيُلْقُونَ هَذَا الْوُضُوءَ لُغْزًا عَلَى الطَّلَبَةِ فَيَقُولُونَ هَلْ تَعْلَمُونَ وُضُوءًا لَا يُزِيلُهُ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَيَشْكُلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَسْئُولِ وَيُرِيدُونَ هَذَا الْوُضُوءَ هَذِهِ قَاعِدَةٌ قَدْ تَقَرَّرَتْ ثُمَّ قَالُوا إذَا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ قَبْلَ غَسْلِ الْأُخْرَى هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ هَلْ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ أَوْ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بَعْدَ غُسْلِ الْجَمِيعِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى هَذَا الْخُفِّ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ فَقِيلَ لَهُمْ إنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لَهُ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَنَحْوِهِ فَيُقَالُ أَحْدَثَ إذَا وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْفُقَهَاءُ النَّوْمُ هَلْ هُوَ حَدَثٌ أَوْ سَبَبٌ لِلْحَدَثِ قَوْلَانِ وَلِلْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ حَدَثٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَثَانِيهِمَا الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ يُسَمَّى حَدَثًا وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَرْجِعُ إلَى التَّحْرِيمِ الْخَاصِّ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا الْمَنْعُ يُسَمَّى حَدَثًا أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ إنَّ الْمُتَطَهِّرَ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ يَنْوِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَالَ عِيَاضٌ إنَّ أَبَا الْمَعَالِيَ الْجُوَيْنِيَّ قَدَّمَ عَبْدَ الْحَقِّ الصَّقَلِّيَّ صَلَّى بِهِ وَقَالَ لَهُ الْبَعْضُ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ يَعْرِضُ لَهُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ إذْ كَانَ أَبُو الْمَعَالِي شَافِعِيًّا اهـ.

وَهِيَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَرْقِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ بِقِيلِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا قَالَ الْحَطَّابُ أَجَازَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُخَالِفِ وَإِنْ رَآهُ يَفْعَلُ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ اهـ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا]

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلُ وَاحِدٍ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ) بِمَعْنَى أَنَّ الْمُفْتِي الْمُخَالِفَ إذَا اسْتَفْتَى فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا لَا تَسُوغُ لَهُ الْفَتْوَى فِيهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ فِيهَا الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ قَائِلٍ وَمَضَى الْعَمَلُ بِهَا أَمَّا إذَا اسْتَفْتَى فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُفْتِي بِمَذْهَبِهِ عَلَى أَصْلِهِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَاصَّةً مَثَلًا وَقْفُ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ عَيْنَهَا لِمَنْ لَا يَرَى صِحَّتَهُ وَكَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ فَهُوَ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ وَنِكَاحُ مَنْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ مَسْأَلَتُهُ عَيْنُهَا لِمَنْ كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَنْقُضَهُ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ وَأَفْتَى مَالِكٌ فِي السَّاعِي الشَّافِعِيِّ إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ خَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ شَاةً بِأَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبْطَلَ مَا كَانَ يُفْتِي بِهِ وَيَعْتَقِدُهُ مِنْ أَنَّ الشَّاةَ تَكُونُ مَظْلِمَةً مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِخِلَافِهِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِحُكْمِهِ بِرَدٍّ وَلَا نَقْضٍ وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَإِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ إذَا حَكَمَ الْإِمَامُ فِيهَا لَا تُصَلَّى إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ وِفَاقًا قَالَ الْمَحَلِّيُّ لَا مِنْ الْحَاكِمِ بِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اخْتَلَفَ الِاجْتِهَادُ اهـ.

لَكِنْ قَالَ الْأَصْلُ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يُنَفِّذُهُ أَيْ لَا يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ بَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ.

وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>