للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِفِعْلِهِ ارْتِفَاعَ ذَلِكَ الْمَنْعِ وَالْمَنْعُ قَابِلٌ لِلرَّفْعِ كَمَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمُ الْمُطَلَّقَةِ بِالرَّجْعَةِ وَتَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ بِالِاضْطِرَارِ.

وَأَمَّا رَفْعُ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الْخَارِجَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ بِالْوُضُوءِ فَمُتَعَذَّرٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَمَّا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ بِالطَّهَارَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَنْعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَحَرَّرَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ مُشْكِلٌ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِ لَا بِالْعُضْوِ فَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا إنَّ الْعُضْوَ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَنْعُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بَاقٍ وَلَوْ غَسَلَ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ إلَّا لُمْعَةً وَاحِدَةً فَقَوْلُهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ بِانْفِرَادِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَإِنَّمَا يُعْقَلُ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَمْنُوعًا فِي نَفْسِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذْنٌ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ إنَّ الْحَدَثَ ارْتَفَعَ عَنْهُ وَحْدَهُ لَكِنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ الْمُكَلَّفُ وَالْمَنْعُ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ غَيْرِ مَعْقُولٍ وَتَخْرِيجُ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُ الرِّجْلِ يَرْتَفِعُ الْمَنْعُ بِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِثْلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ سَوَاءً وَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَمْ يُخَصِّصُوا بِهِ الرِّجْلَ بَلْ عَمَّمُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْوَجْهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ خُفٍّ وَلَا غَيْرِهِ.

وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرَّأْسُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ وَلَا الْمُكَلَّفُ تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ وَحْدَهُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ غَيْرَ مَعْقُولَةٍ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَفِي رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَعَبُّدِيَّةٌ وَقَدْ عُلِّلَ الْوُضُوءُ هُنَاكَ بِأُمُورٍ كُلِّهَا بَاطِلَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَمَعَ التَّعَبُّدِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الْمَعَانِي فَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ فَإِنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ وَحْدَهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَصِحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ عَقِيبَهُ لَكِنَّ الْمَنْعَ بَاقٍ إجْمَاعًا فَالْحَدَثُ بَاقٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ قَوْلَنَا إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْحَدَثِ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ أَيْضًا قَوْلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَنْقُضُهُ بَلْ يُزْجَرُ عَنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ نَظَرًا لِوَجْهَيْنِ هُمَا سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ

لَوْلَا ذَلِكَ

لَمَا اسْتَقَرَّتْ لِلْحُكَّامِ قَاعِدَةٌ وَلَبَقِيَتْ الْخُصُومَاتُ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ دَوَامَ التَّشَاجُرِ وَالتَّنَازُعِ وَانْتِشَارِ الْفَسَادِ وَدَوَامِ الْعِنَادِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ الْحُكَّامُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ اقْتَصَرَ الْمَحَلِّيُّ حَيْثُ قَالَ إذْ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ لَجَازَ نَقْضُ النَّقْضِ وَهَلُمَّ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ مِنْ فَصْلِ الْحُكُومَاتِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْشِئَ الْحُكْمَ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَهُوَ مُنْشِئٌ لِحُكْمِ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَلْزَمُ وَالْإِبَاحَةِ فِيمَا يُبَاحُ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ الَّذِي ذَهَبَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا مُطْلَقًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِنْشَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنَفِّذٌ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ بَلْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ إمَّا نَفْسُ حُكْمِهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِمَّا أَنَّهُ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِهِ تَعَالَى مِنْ نَقْضِ أَحْكَامِ الْمُجْتَهِدِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ فَيَئُولُ الْحَالُ فِيهَا إلَى مَا يُشْبِهُ تَعَارُضَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ بِوَجْهٍ مَا فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَثَلًا دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ مِلْكِ الْعِصْمَةِ يَلْزَمُ وَهَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ صُوَرًا لَا نِهَايَةَ لَهَا فَإِذَا رُفِعَتْ صُورَةٌ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبْطَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ كَانَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ كَالنَّصِّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْوَارِدِ مِنْ خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكُونُ الْحَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْمِلْكِ لَازِمٌ وَقَالَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعِصْمَةُ فِيهَا تَسْتَمِرُّ فَقُلْنَا هَذَانِ نَصَّانِ خَاصٌّ وَعَامٌّ فَنُقَدِّمُ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ فَكَمَا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِيمَا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ.

وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الرُّهْبَانَ إنَّا نَقْتُلُ الْمُشْرِكِينَ وَنَتْرُكُ الرُّهْبَانَ جَمْعًا بَيْنَ نَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا أَعْمَلُ هَذَا الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَبْقَى بَقِيَّةُ الصُّورَةِ عِنْدِي يَصِحُّ فِيهَا التَّعْلِيقُ قَبْلَ النِّكَاحِ جَمْعًا بَيْنَ مَا هُوَ كَنَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَلِيُّ الْمُفْتِي كَالْحَاكِمِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ هُوَ نَاقِلٌ وَمُخْبِرٌ وَمُعَرِّفٌ بِالْحُكْمِ اُنْظُرْ كِتَابَ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ لِلْأَصْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) الشَّرْطُ فِي كَوْنِ حُكْمِ الِاجْتِهَادِيَّاتِ لَا يَنْقُضُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>