للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجِدَ فِي حَقِّهِ تِلْكَ الصِّفَةُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا شَاهِدَانِ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُبَيِّنُوا تِلْكَ الْحَالَةَ مِمَّا قُلْنَا نَحْنُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَى الْمُنْكِرِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَيْهِ هِيَ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ هِيَ الْجَالِبَةُ فَهِيَ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَصْرُ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِكُمْ لَمَّا لَمْ تَتَحَوَّلْ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَتَحَوَّلْ الْيَمِينُ فَإِنَّا لَمْ نُحَوِّلْ تِلْكَ الْيَمِينَ بَلْ أَثْبَتْنَا يَمِينًا أُخْرَى بِالسُّنَّةِ مَعَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ كَانَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَعَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلَ فِيهَا النِّسَاءَ، وَعَنْ الْخَامِسِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّقْدِيمِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ لِتَقْوِيَةِ جِهَةِ الشَّاهِدِ فَقَبْلَهُ لَا قُوَّةَ فَلَا تَدْخُلُ، وَلَا تُشْرَعُ، وَالشَّاهِدَانِ شَرْعًا لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعَ الضَّعْفِ

(تَنْبِيهٌ) وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ قِيَامِ شَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ حَلِفُ الْمُدَّعِي لَنَا وُجُوهٌ

(الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا فَمَنْ قَالَ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ

(الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَيَنْحَصِرُ الثُّبُوتُ فِيهَا، وَإِلَّا لَزِمَ الْبَيَانُ فِي تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَعَمَلًا بِالْمَفْهُومِ

(الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَ، وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ وَالنُّكُولِ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ بِالْآخَرِ

(الرَّابِعُ) مَا ذَكَرُوهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّهَا ادَّعَى عَلَيْهَا فَتُنْكِرُ فَيُحَلِّفُهَا فَتَنْكُلُ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّهَا بِتَوَاطُؤٍ مِنْهُمَا

(الْخَامِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكْرَهُ زَوْجَهَا فَتَدَّعِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُحَلِّفُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ

(أَحَدُهَا) قَضِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، وَهِيَ فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ فِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا

(الثَّانِي) أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ

(الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ بِيَمِينِ الزَّوْجِ، وَنُكُولِهَا مِنْ الْيَمِينِ

(الرَّابِعُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ

(الْخَامِسُ) «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْت بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةً فَقَالَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مُسَلَّمٌ مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ أَيْ الْعَدْلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي كَوْنِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مِنْهُ أَمْ لَا، وَهُوَ الَّذِي نَقُولُهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عِنْدَنَا فَتَنَبَّهْ قَالَ الْعَطَّارُ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَجَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ مِنْ الْقَوَادِحِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي تَسْلِيمَهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَسْلِيمَ الدَّلِيلِ عَلَى مُدَّعِي الْمُسْتَدِلِّ بَلْ تَسْلِيمُ صِحَّتِهِ عَلَى خِلَافِهِ فَهُوَ قَادِحٌ فِي الْعِلَّةِ اهـ.

بِتَوْضِيحٍ (الثَّانِيَةُ) فِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ مِثْلُ التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ، وَضَرْبُ خَصْمٍ لَهُ إلَخْ فَمَا يُسْتَنَدُ فِيهِ لِعِلْمِهِ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ اهـ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةِ الْحُكْمِ]

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةِ الْحُكْمِ) :

وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ جِهَتَيْنِ: (الْجِهَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْفَتْوَى مَحْضُ إخْبَارٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارُ مَا لَهُ الْإِنْشَاءُ وَالْإِلْزَامُ أَيْ التَّنْفِيذُ وَالْإِمْضَاءُ لِمَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَتْوَى فَالْمُفْتِي مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي يَنْقُلُ عَنْهُ مَا، وَجَدَهُ عِنْدَهُ، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنَفِّذُ وَيُمْضِي بَيْنَ الْخُصُومِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَتْوَى، وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ ذَلِكَ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ مُسْتَنِيبُهُ قَالَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ حَكَمْت بِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَقَدْ جَعَلْته حُكْمِي فَكَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَرْجَمِ عَنْ الْقَاضِي، وَنَائِبِ الْقَاضِي مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي وَمُطِيعٌ لَهُ وَسَاعٍ فِي تَنْفِيذِ مُرَادِهِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْقُلُ نَقْلًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ لَهُ فِي التَّنْفِيذِ وَالْإِمْضَاءِ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَالْآخَرُ يُنَفِّذُ، وَيُمْضِي مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ بَيْنَ الْخُصُومِ كَذَلِكَ الْمُفْتِي، وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَابِلٌ لِحُكْمِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ مَحْضٌ، وَالْحَاكِمُ مُنَفِّذٌ وَمُمْضٍ هَذَا، وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ هُوَ مَا صَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُ ذَلِكَ إلَخْ قَالَ قَاضٍ لِخَصْمِهِ اتَّهَمَهُ فِي حُكْمِهِ أَيْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لَسْت بِمُؤْمِنٍ فَقَالَ، وَبِمَ كَفَّرْتنِي قَالَ لَهُ قَالَ تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] اهـ.

(الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ كُلَّ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْحُكْمُ تَتَأَتَّى فِيهِ الْفَتْوَى، وَلَا عَكْسَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>