للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحِرَابَةُ الْقَتْلُ وَقَدْ خُولِفَتْ الْقَاعِدَةُ فِي الْحُدُودِ دُونَ التَّعَازِيرِ فَسَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ سَرِقَةِ دِينَارٍ وَسَرِقَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَشَارِبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَشَارِبِ جَرَّةٍ فِي الْحَدِّ مَعَ اخْتِلَافِ مَفَاسِدِهَا حَدًّا، وَعُقُوبَةُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْحُرِّ أَعْظَمُ لِجَلَالَةِ مِقْدَارِهِ بِدَلِيلِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ دُونَ الْبِكْرِ لِعِظَمِ مِقْدَارِهِ مَعَ أَنَّ الْعَبِيدَ إنَّمَا سَاوَتْ الْأَحْرَارَ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ لِتَعَذُّرِ التَّجْزِئَةِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ وَاسْتَوَى الْجُرْحُ اللَّطِيفُ السَّارِي لِلنَّفْسِ وَالْعَظِيمُ فِي الْقِصَاصِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا، وَقَتْلُ الرَّجُلِ الْعَالِمِ الصَّالِحِ التَّقِيِّ الشُّجَاعِ الْبَطَلِ مَعَ الْوَضِيعِ.

(الرَّابِعِ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ تَأْدِيبٌ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ، وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا الْعِصْيَانُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ وَجَاءَ فِي هَذَا الْفَرْقِ فَرْعٌ وَهُوَ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ، وَلَمْ يَسْكَرْ قَالَ مَالِكٌ أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ لِمُنَافَاتِهَا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْخَمْرِ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحُدُّهُ، وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا حَدُّهُ فَلِلْمَفْسَدَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ التَّوَسُّلِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ، وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْصِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّقْلِيدِ عِنْدَهُ، قَالَ: وَالْعُقُوبَاتُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ لَا الْمَعَاصِيَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَيَبْطُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَازِيرِ أَمَّا الْحُدُودُ الْمُقَدَّرَةُ فَلَمْ تُوجَدْ فِي الشَّرْعِ إلَّا فِي مَعْصِيَةٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَالْحَقُّ مَعَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إذَايَةُ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ.

وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْأُسَارَى الْمُوجِبِ لِاسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى قَتْلِهِمْ الْمُوجِبِ لِمَحْوِ الْكُفْرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَوَقُّعُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ إذَا بَقُوا أَحْيَاءً وَعَدَمُ سَدِّ بَابِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ بِقَتْلِهِمْ فَحُصُولُ الْكُفْرِ بِإِبْقَائِهِمْ أَحْيَاءَ وَقَعَ بِالْعَرَضِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ بَلْ وَاجِبٌ عِنْدَ تَعَيُّنِ مُقْتَضِيهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْفَاعِلُ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَأْثَمُ قَائِلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ. قَالَ: وَالِانْتِهَاكُ الْخَاصُّ الْمُمَيِّزُ لِلْكُفْرِ عَنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ خُصُوصُهُ بِبَيَانِ أَقْسَامِ الْجَهْلِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا أَقْسَامُ الْجَهْلِ فَعَشَرَةٌ.

(أَحَدُهَا) مَا لَمْ نُؤْمَرْ بِإِزَالَتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ نُؤَاخَذْ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَنَا لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ وَهُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهَا الصَّنْعَةُ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالنَّظَرِ فَعَفَا عَنْهُ لِعَجْزِنَا عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ.

(وَثَانِيهَا) مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ أَوْ مُتَكَلِّمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ فَإِنْ جَهِلَ الصِّفَةَ وَلَمْ يَنْفِهَا كَفَّرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ، وَيَعْضُدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لِيُعَذِّبَنِّي الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ، وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا.

قَالَ الْأَصْلُ: فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَالْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ هُوَ مَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ.

(وَالثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَمُتَكَلِّمٌ بِغَيْرِ كَلَامٍ، وَمُرِيدٌ بِغَيْرِ إرَادَةٍ وَحَيٌّ بِغَيْرِ حَيَاةٍ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الصِّفَاتِ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِلْأَشْعَرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْبَاقِلَّانِيّ فِي تَكْفِيرِهِمْ قَوْلَانِ.

(وَالرَّابِعُ) مَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَقِّ فِيهِ هَلْ هُوَ جَهْلٌ تَجِبُ إزَالَتُهُ أَمْ هُوَ حَقٌّ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ مَعْصِيَةٌ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاء فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْعَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاقٍ بِبَقَاءٍ قَدِيمٍ وَيَعْصِي مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ أَوْ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ وَقَدِيمٌ بِغَيْرِ قِدَمٍ، وَاعْتِقَادُ خِلَافِ ذَلِكَ جَهْلٌ حَرَامٌ عَكْسُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُول الدِّينِ. وَالصَّحِيحُ هُنَالِكَ أَنَّ الْبَقَاءَ وَالْقِدَمَ لَا وُجُودَ لَهُمَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ.

(وَالْخَامِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ لَا بِالذَّاتِ نَحْوَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَتَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَخْصِيصِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَكْفِيرِهِمْ بِذَلِكَ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ.

(وَالسَّادِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>