للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ الْأَمْرِ وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ النَّوَاهِي طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَكَذَا نَقُولُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ إنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحَ لَا نَعْلَمُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَا نَعْلَمُهَا فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ أَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ

لِمَصَالِحَ فِيهَا

، وَتَعْيِينُ الْفَوْرِيَّاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَبَعٌ لِلْمَأْمُورَاتِ وَطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ فَالْغَرِيقُ لَوْ تَأَخَّرَ سُقُوطُهُ فِي الْبَحْرِ تَأَخَّرَ الزَّمَانُ أَوْ تَعَجَّلَ تَعَجَّلَ الزَّمَانُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ الْحَجُّ تَابِعٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ فَلَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَتْ السَّنَةُ أَوْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَتْ السَّنَةُ فَصَارَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ تَابِعًا لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ الْفَوْرَ تَعَيُّنُ الْوَقْتِ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ تَابِعٌ لِوُرُودِ الصِّيغَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَ الْوَقْتُ أَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ وَكَذَلِكَ أَقْضِيَةُ الْحُكَّامِ الْوَقْتُ تَابِعٌ لِنُهُوضِ الْحِجَاجِ فَتَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَبَقِيَّةُ النُّقُوضِ قَدْ اتَّضَحَ لَك التَّخْرِيجُ فِي ذَلِكَ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِمَصَالِحَ فِيهَا وَلَوْلَاهَا لَمَا تَعَيَّنَ بَعْدَ الزَّوَالِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَلَا رَمَضَانُ دُونَ بَقِيَّةِ شُهُورِ السَّنَةِ إذَا اتَّضَحَ لَك الْفَرْقُ فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِّ لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ احْتِرَازٌ مِنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ وَالتَّبَعِيَّةِ لِطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ.

وَاتُّجِهَ أَيْضًا حَدُّ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَوْصُوفًا بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ، وَقَوْلُنَا فِي الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ نَقْضٍ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ جُمْلَةَ السَّنَةِ كُلِّهَا الَّتِي تَلِي شَهْرَ الْأَدَاءِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَلَيْسَ أَدَاءً فَخَرَجَ بِقَوْلِنَا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ وَجَبَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِقَوْلِنَا بِالْأَمْرِ الثَّانِي وَسَبَبُ انْدِرَاجِهِ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ السَّنَةَ لِمَصْلَحَةٍ تَخْتَصُّ بِهَا لَا نَعْلَمُهَا فَالسَّنَةُ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَيْسَتْ تَابِعَةً لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ سَنَةِ الْحَجِّ تَابِعَةٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ فَإِنْ قُلْت وَسَنَةُ الْقَضَاءِ أَيْضًا تَابِعَةٌ لِتَرْكِ الصَّوْمِ قُلْت مُسَلَّمٌ لَكِنْ هَذَا وَقْتٌ حُدِّدَ طَرَفَاهُ وَجُعِلَ وَاجِبًا مُوَسَّعًا بِخِلَافِ الْحَجِّ.

وَلَمَّا تَرَتَّبَ رَمَضَانُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهُورِ لِلْأَدَاءِ رُتِّبَ مَا بَعْدَهُ لِلْقَضَاءِ إلَى شَعْبَانَ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ مُعَيَّنًا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ إلَّا مَا كَانَ عَقِيبَ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَسَنَةُ الْقَضَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ فَإِنْ قُلْتَ مَا ذَكَرْتَهُ لَا يَتِمُّ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ مَعَ خُرُوجِهِ عَمَّا ذَكَرْته مِنْ التَّحْدِيدِ فَيَقُولُونَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ قَضَاءٌ وَيَقُولُونَ إنَّ النَّوَافِلَ تُقْضَى وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْضَى مَا لَهُ سَبَبٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَأَبْطَلَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

حُرِّمَتْ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا التَّبَاغُضُ لَوْ أُبِيحَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَيُوجَدُ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ أَمْ لَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ حُرِّمَتْ لِعَدَاوَةِ الْكَافِرِ لَهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ وَالَى الْمُؤْمِنَ أَمْ لَا، وَقَدْ عَمَّ مَنْ وَالَاهُ وَمَنْ يُوَالِيهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} [المائدة: ٥٧] إلَى قَوْلِهِ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَقِيَاسُ الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَنْطُوقِ لَا يَمْتَنِعُ؛ إذْ كَيْفَ يَمْتَنِعُ وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمَعْرُوضَ لِلصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَالْغَنَمِ فِي حَدِيثِ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ كَالْمَعْلُوفَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِدُونِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ عَارِضَهُ مِنْ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعِلَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ.

نَعَمْ الْحَقُّ عَدَمُ الْعُمُومِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ إمَامِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الْغَنَمِ لِلْمَعْلُوفَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا قِيلَ بَلْ إمَّا لِكَوْنِ حَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» مَنْطُوقًا عَارَضَ مَفْهُومَ حَدِيثِ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا بِالْمِنَّةِ مَنْ قَتَلَ مَنْ لَمْ يَجْنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَتْلَ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَلَدٍ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَارِضَةِ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] لَا لِكَوْنِهِ غَالِبًا فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ إلَّا خَوْفَ الْفَقْرِ وَالْفَضِيحَةِ فِي الْبَنَاتِ وَهُوَ الْوَأْدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: ٨] وَالْوَأْدُ الْقَتْلُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفِنُونَهُنَّ أَحْيَاءً فَيَمُتْنَ مِنْ غَمِّ التُّرَابِ وَثِقَلِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: ٢٥٥] أَيْ لَا يُثْقِلُهُ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عُمُومًا فِي خُصُوصِ عَيْنِ الْغَنَمِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى حَدِيثِ فِي الْغَنَمِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ فِي خُصُوصِ حَالِ الْغَنَمِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّ حَالَ الْعَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ حَالِ الْحَالِ.

وَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إعْطَاءِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ نَقِيضَ حُكْمِ الْمَنْقُوضِ بِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا فِي نَحْوِ الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَتَبْقَى الْمَعْلُوفَةُ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْأَصْلُ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بَاطِلًا كَانَ الصَّحِيحُ مُقَابِلَهُ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ وَأَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكُلَّ مُطْلَقًا قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ لَمْ يَقُلْ بِشَيْءٍ مِنْ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَسْكُوتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>