للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ وَهَذَا الْفَرْقَ لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيمَ رَأَيْتُهُ وَلَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِهِ فِيمَا وَجَدْتُهُ وَلَا التَّعْرِيضُ بَلْ التَّصْرِيحُ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِضِدِّهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَيَقُولُونَ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَفِي حَدِّ الْقَضَاءِ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَهَذَانِ التَّفْسِيرَانِ بَاطِلَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ كَرَدِّ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا طُلِبَتْ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَقْضِيَةِ الْحُكَّامِ إذَا نَهَضَتْ الْحِجَاجُ كُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لَهَا إنَّهَا أَدَاءٌ إذَا وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا شَرْعًا وَلَا قَضَاءً إذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ فَإِنَّ الشَّرْعَ حَدَّدَ لَهَا زَمَانًا وَهُوَ زَمَانُ الْوُقُوعِ فَأَوَّلُهُ أَوَّلُ زَمَانِ التَّكْلِيفِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْهَا بِحَسَبِهَا فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا فَزَمَانُهَا مَحْدُودٌ شَرْعًا مَعَ انْتِفَاءِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ عَنْهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ.

وَكَذَلِكَ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ حَدَّدَ لَهُ الشَّرْعُ الزَّمَانَ فَأَوَّلُهُ مَا يَلِي زَمَنَ السُّقُوطِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْ عِلَاجِهِ بِحَسَبِ حَالِهِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ أَدَاءٌ فِي الْوَقْتِ وَلَا قَضَاءٌ بَعْدَهُ مَعَ التَّحْدِيدِ الشَّرْعِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحَجُّ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الشَّارِعَ حَدَّدَ لَهُ زَمَانًا مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ إذَا أُخِّرَتْ هَذِهِ الْحِجَّةُ وَلَا يَلْزَمُ مَعَهَا هَدْيُ الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ لِلسَّمَاعِ وَزَمَانٍ لِلتَّأَمُّلِ وَتَعَرُّفِ مَعْنَى الْخِطَابِ وَفِي الزَّمَنِ الثَّالِثِ يَكُونُ الْفِعْلُ زَمَانِيًّا وَبِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ يُوصَفُ الْمُكَلَّفُ بِالْمُخَالَفَةِ.

وَقَدْ حَدَّدَ الشَّرْعُ الزَّمَانَ حِينَئِذٍ أَوَّلُهُ الزَّمَنُ الثَّالِثُ مِنْ زَمَنِ السَّمَاعِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْ الْفِعْلِ بِحَسَبِهِ وَهَذِهِ النُّقُوضُ كُلُّهَا تُبْطِلُ حَدَّ الْأَدَاءِ فَإِنَّ حَدَّهُ يَتَنَاوَلُهَا وَلَيْسَتْ أَدَاءً فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ وَإِيقَاعُهَا بَعْدَ وَقْتِهَا يَتَنَاوَلُهُ حَدُّ الْقَضَاءِ وَلَيْسَتْ قَضَاءً فَيَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ الْعِنَايَةُ بِتَحْرِيرِ الْفَرْقِ وَتَحْرِيرِ هَذِهِ الضَّوَابِطِ وَالْحُدُودِ حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ الْأَدَاءُ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالْقَضَاءُ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ فِيهِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُنَا: " الْمَحْدُودُ لَهُ " احْتِرَازٌ مِنْ الْمُغَيَّا بِجَمِيعِ الْعُمْرِ، وَقَوْلُنَا: " شَرْعًا " احْتِرَازٌ مِمَّا يَحُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، وَقَوْلُنَا: " لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ " احْتِرَازٌ مِنْ تِلْكَ النُّقُوضِ كُلِّهَا، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا عَيَّنَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِمَصْلَحَةٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ

الْمَصَالِحِ

عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ فَإِنَّا إذَا لَاحَظْنَا الشَّرَائِعَ وَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ فِي الْأَغْلَبِ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ وَخَفِيَ عَلَيْنَا فِي الْأَقَلِّ فَقُلْنَا ذَلِكَ الْأَقَلُّ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ مَلِكٍ بِأَنْ لَا يَخْلَعَ الْأَخْضَرَ إلَّا عَلَى الْفُقَهَاءِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَنْ خَلَعَ عَلَيْهِ الْأَخْضَرَ وَلَا نَعْلَمُ قُلْنَا هُوَ فَقِيهٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ وَكَذَلِكَ نَعْتَقِدُ فِيمَا لَمْ نَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى مَفْسَدَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَنْ لَا تُظْهِرَ أَوْلَوِيَّةَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَكَانَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ لَا مُخَالَفَةٍ كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] وَتَأْدِيَةِ مَا دُونَ الْقِنْطَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] .

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ مِثْلَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣] فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي الْحُجُورِ وَمِنْ شَأْنِهِنَّ ذَلِكَ فَقَيَّدَ بِهِ لِذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّاتِي لَسْنَ فِي الْحُجُورِ بِخِلَافَةِ وَمِثْلَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] إذْ الْخُلْعُ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ خَوْفِ أَنْ لَا يَقُومَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ وَمِثْلَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إذْ الْمَرْأَةُ إنَّمَا تُبَاشِرُ نِكَاحَ نَفْسِهَا عِنْدَ مَنْعِ الْوَلِيِّ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَنْ الْمَذْكُورِ وَلَا لِحَادِثَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمَذْكُورِ مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَيَقُولُ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ أَوْ يَكُونُ الْغَرَضُ بَيَانَ ذَلِكَ لَهُ السَّائِمَةُ دُونَ الْمَعْلُوفَةِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تَقْدِيرُ جَهَالَةٍ بِحُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَإِلَّا رُبَّمَا تَرَكَ التَّعَرُّضَ لَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ وَلَا يَكُونُ خَوْفٌ يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِهِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ وَغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ٢٨] نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالَوْا الْيَهُودَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِانْتِفَاءِ الْمَذْكُورَاتِ بَلْ ثَبَتَ وَاحِدٌ مِنْهَا فَلَا يَسْتَنِدُ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ ضَرُورَةَ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ وَالْمَفْهُومُ فَائِدَةٌ خَفِيفَةٌ فَيُؤَخَّرُ عَنْهَا وَيَكُونُ الْعَمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَلَوْ خَالَفَ الْمَفْهُومَ، فَإِذَا دَلَّ عَلَى إعْطَاءِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ بِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا فِي نَحْوِ آيَتَيْ الرَّبِيبَةِ وَالْمُوَالَاةِ وَقَوْلُ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ إلَخْ فَإِنَّ إرَادَةَ قَرِيبِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا عَلِمْت وَتَحَقُّقَ عِلَّةِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْآيَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّبِيبَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>