للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ بَلْ عَلَى أَنَّهَا مُجْزِئَةٌ.

أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا نُسَلِّمُهُ وَقَالَ ثَالِثٌ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ ثَوْبَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ وَطَهَارَتَهُ وَمُلَازَمَةُ الشَّيْءِ وَاسْتِصْحَابُهُ فِعْلٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نُضَيِّقُ الْفَرْضَ فِي الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ وَنَفْرِضُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِحَيْثُ لَا يُجَدِّدُ شَيْئًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى يَحْرُمَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فِعْلٌ لَهُ وَلَا دَوَامَ الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلًا وَلَابِسًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَعَ الْغَفْلَةِ يَمْتَنِعُ الْفِعْلُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ الشُّعُورَ وَلَا شُعُورَ فَلَا فِعْلَ وَهَذَا التَّضْيِيقُ يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذَا الْجَوَابِ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ حَنَّثْتَهُ بِدَوَامِ لُبْسِ الثَّوْبِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا الِاسْتِصْحَابُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَإِذَا كَانَ فِعْلًا هُنَاكَ كَانَ فِعْلًا هُنَا قُلْت الْإِيمَانُ يَكْفِي فِيهَا شَهَادَةُ الْعُرْفِ كَانَ فِيهَا فِعْلٌ أَمْ لَا فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ طَارَ الْغُرَابُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ مُسْتَحِيلًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ بَابُ تَكْلِيفٍ وَإِيجَابٍ وَالتَّكْلِيفُ لَا بُدَّ فِيهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا نُسَلِّمُهُ) .

قُلْت مَا قَالَهُ فِي رَدِّ ذَلِكَ الْقَوْلِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَقَالَ ثَالِثٌ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ ثَوْبَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ وَطَهَارَتَهُ وَمُلَازَمَةُ الشَّيْءِ وَاسْتِصْحَابُهُ فِعْلٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نُضَيِّقُ الْفَرْضَ فِي الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ وَنَفْرِضُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِحَيْثُ لَا يُجَدِّدُ شَيْئًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى يَحْرُمَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فِعْلٌ لَهُ وَلَا دَوَامَ الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلًا وَلَابِسًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَعَ الْغَفْلَةِ يَمْتَنِعُ الْفِعْلُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ الشُّعُورَ بِهِ وَلَا شُعُورَ فَلَا فِعْلَ وَهَذَا التَّضْيِيقُ يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذَا الْجَوَابِ) قُلْت عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ وَالطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ بِفِعْلٍ حِسًّا لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ حُكْمًا وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْغَفْلَةِ لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ فَإِنَّ الْغَفْلَةَ إنَّمَا تُنَاقِضُ الْفِعْلَ الْحِسِّيَّ الْحَقِيقِيَّ لَا الْحُكْمِيَّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَلِمَ حَنَّثْتَهُ بِدَوَامِ لُبْسِ الثَّوْبِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا الِاسْتِصْحَابُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَإِذَا كَانَ فِعْلًا هُنَاكَ كَانَ فِعْلًا هُنَا قُلْت الْإِيمَانُ يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْعُرْفِ كَانَ فِيهَا فِعْلٌ أَوْ لَا فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ طَارَ الْغُرَابُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ مُسْتَحِيلًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ بَابُ تَكْلِيفٍ وَإِيجَابٍ وَالتَّكْلِيفُ لَا بُدَّ فِيهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الدُّعَاءُ فَهُوَ مِنْ الْقَدَرِ وَلَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَدَرِ بَلْ مَا رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَقْدُورًا إلَّا عَلَى سَبَبٍ عَادِيٍّ وَلَوْ شَاءَ لَمَا رَبَطَهُ بِهِ فَانْدَفَعَ مَا.

قِيلَ: إنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَقَدْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ مَا وُجِدَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَزَلِ فَتَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ بِوُجُودِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ وُجُودَهُ وَبِعَدَمِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ بَقَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَوْ أَرَادَ عَدَمَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَجَمِيعُ الْجَائِزَاتِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا قَدْ نَفَذَتْ فِيهَا مَشِيئَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَيْفَ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَيَسُّرِ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِزِيَادَةِ الْبَرَكَةِ فِيمَا قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ مِنْ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ وَأَمَّا نَفْسُ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ الْمُقَدَّرَيْنِ فَلَا يَقْبَلَانِ الزِّيَادَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ أَوَّلًا ضَعِيفٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْبَرَكَةَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَدَّرَاتِ فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ مَانِعًا مِنْ الزِّيَادَةِ فَلْيَمْنَعْ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا وَثَانِيًا يَلْزَمُ مِنْهُ مَفْسَدَتَانِ: إحْدَاهُمَا إيهَامُ أَنَّ الْبَرَكَةَ خَرَجَتْ عَنْ الْقَدَرِ لِتَصْرِيحِ الْمُجِيبِ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَدَرِ مَانِعٌ فَحَيْثُ لَا مَانِعَ لَا قَدْرَ وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا وَثَانِيَتُهُمَا اخْتِلَالُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا إذْ عَلَيْهِ تَكُونُ الرَّغْبَةُ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا لِزَيْدٍ: إنْ وَصَلْت رَحِمَك زَادَك اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمُرِك عِشْرِينَ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ الْوُقُوعِ لِذَلِكَ مَا لَا يَجِدُهُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَزِيدُك اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ يَوْمًا وَاحِدًا بَلْ يُبَارِكُ لَك فِي عُمُرِك فَقَطْ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَجَعَلَ لِكُلِّ مُقَدَّرٍ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَالْجَهَالَاتِ.

فَالْجَهْلُ سَبَبٌ عَظِيمٌ فِي الْعَالَمِ لِمَفَاسِدَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفَوَاتِ الْمَصَالِحِ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ عَظِيمٌ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحَ وَدَرْءِ مَفَاسِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَثَلًا الْمَلِكُ الَّذِي دَفَعَ لَهُ أَعْدَاؤُهُ السُّمَّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ كَيْدًا مِنْهُمْ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَمُوتَ بِهِ رَبَطَهُ بِسَبَبِ جَهْلِهِ بِتَنَاوُلِهِ وَقَدَّرَ ذَلِكَ السَّبَبَ فَلَوْ قَدَّرَ نَجَاتَهُ مِنْهُ لَقَدَّرَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَيَسْلَمُ فَيَكُونُ سَبَبُ سَلَامَتِهِ عِلْمَهُ بِهِ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ هُوَ عَيْنُ الْمُقَدَّرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَهْلِ بَلْ ضِدُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّزْقَ الْحَقِيرَ إنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِالْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>