للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَ تَوَجُّهِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ اضْطَرَبَتْ أَجْوِبَةُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَقُولُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَالْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَيَقَعُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ فِي الشَّرِيعَةِ إنَّمَا عُهِدَ بَعْدَ طَرَءَانِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَمَّا وُجُوبٌ قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا مُضَيَّقًا وَلَا مُوَسَّعًا وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ نَصَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْبَابًا لِوُجُوبِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَهَا وَلَا تَجِبُ شَرَائِطُهَا وَوَسَائِلُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ تَبَعٌ لِوُجُوبِ الْمَقَاصِدِ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ هَذَا مَا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَقَالَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ تَقَعُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَتُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

كُلُّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ اتِّحَادِ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ فَلَا قَالَ (وَعِنْدَ تَوَجُّهِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ اضْطَرَبَتْ أَجْوِبَةُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَقُولُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَالْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَيَقَعُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ) قُلْت مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ

(وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوسَعَ فِي الشَّرِيعَةِ إنَّمَا عُهِدَ بَعْدَ طَرَيَان سَبَبِ الْوُجُوبِ، أَمَّا وُجُوبٌ قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا مُضَيَّقًا وَلَا مُوَسَّعًا) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ نَصَّبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْبَابًا لِوُجُوبِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَهَا وَلَا تَجِبُ شَرَائِطُهَا وَوَسَائِلُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا) قُلْت قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَوَاتِ لَا تَجِبُ قَبْلَ أَسْبَابِهَا مُسَلَّمٌ وَقَوْلُهُ إنَّ شَرَائِطَهَا وَوَسَائِلَهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ وُجُوبِهَا مَمْنُوعٌ وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ قَالَ (فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ تَبَعٌ لِوُجُوبِ الْمَقَاصِدِ) قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْبِقُ وُجُوبُ الشَّرَائِطِ وُجُوبَ الْمَشْرُوطَاتِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا وُجُوبُ الْمَشْرُوطَاتِ مَا وَجَبَتْ الشُّرُوطُ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ.

قَالَ (وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ هَذَا مَا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ) قُلْت قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ مَعْقُولٌ وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ فِي الْمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ قَالَ (وَقَالَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ تَقَعُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَتُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَسَدِّ ذَرَائِعِ الشَّيْطَانِ عَنْهَا بِالتَّزْوِيجِ عَلَى الْآبَاءِ لَا عَلَى إبَاحَةِ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِالْمُخَالَفَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ لِلْأَبْنَاءِ جَوَازُ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنَعَ مِنْ تَحْلِيفِ الْأَبِ فِي حَقٍّ لَهُ وَقَالَ: إنْ حَلَّفَهُ كَانَ جُرْحُهُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) قَوْلُ مَالِكٍ إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِ مَنْعُهُ اهـ خَاصٌّ بِمُجَرَّدِ الْحَضَانَةِ فَلَا يُنَافِي تَجَدُّدَ حَجْرِ الْبِرِّ الَّذِي فِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ إنْ أَرَادَ سَفَرًا لِلتِّجَارَةِ يَرْجُو بِهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ رَجَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي كَفَافٍ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ تَكَاثُرًا فَهَذَا لَوْ أَذِنَا لَهُ لَنَهَيْنَاهُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ دَفْعَ حَاجَاتِ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ تَأَذَّى بِتَرْكِهِ كَانَ لَهُ مُخَالَفَتُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَكَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ إذَايَتِهِمَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ إَذايَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَاهُ هَلَكَا قُدِّمَتْ ضَرُورَتُهُ عَلَيْهِمَا اهـ فَالْغُلَامُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَمْشِي فِي الْبَلَدِ حَيْثُ شَاءَ دُونَ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رِيبَةٍ وَهُمَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ فَيَمْنَعَانِهِ مُطْلَقًا كَمَا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِمَنْ دَعَاهُ أَبُوهُ مِنْ السُّودَانِ وَمَنَعَتْهُ أُمُّهُ أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك.

(فَائِدَتَانِ) : الْأُولَى مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِلَةُ الرَّحِمِ تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَرَّهُ السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّسَأُ فِي الْأَجَلِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ لَا بِالْقَضَاءِ الْعَقْلِيِّ لِزِيَادَةِ النَّسَإِ فِي الْعُمْرِ وَلِسَعَةِ الرِّزْقِ كَمَا نَصَبَ بِهَذَا الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ الْإِيمَانَ سَبَبًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالْكُفْرَ سَبَبًا فِي دُخُولِ النَّارِ وَنَصَبَ بِالْوَضْعِ الْعَادِيِّ لَا بِالِاقْتِضَاءِ الْعَقْلِيِّ الْأَسْبَابَ الْعَادِيَّةَ مِنْ الْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَالْأَدْوِيَةِ وَجَعَلَهَا أَسْبَابًا فِي الْحَيَاةِ وَإِذَا جَعَلَ اللَّهُ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَتُوَسِّعُ فِي الرِّزْقِ حَقِيقَةً كَمَا نَقُولُ: الْإِيمَانُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَالْكُفْرُ يُدْخِلُ النَّارَ وَمَتَى عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِذَلِكَ بَادَرَ إلَيْهَا رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الْعُمْرِ وَسِعَةِ الرِّزْقِ كَمَا يُبَادِرُ لِاسْتِعْمَالِ الْغِذَاءِ وَتَنَاوُلِ الدَّوَاءِ رَغْبَةً فِي الْحَيَاةِ وَلِلْإِيمَانِ رَغْبَةً فِي الْجِنَانِ وَيَفِرُّ مِنْ الْكُفْرِ رَهْبَةً مِنْ النِّيرَانِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُنَا الدُّعَاءُ يُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ وَيَدْفَعُ الْأَمْرَاضَ وَيُؤَخِّرُ الْآجَالَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>