(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) الَّذِي بَقِيَ مِنْ التَّقْسِيمِ فِي الْقَاعِدَةِ وَهُوَ تَعْلِيقُ عَامٌّ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ فَهَذَا الْقِسْمُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ ثَلَاثٌ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْعَدَدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْعُمُومِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فِي الزَّمَانِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي فَهَذَا الْقِسْمُ مَوْجُودٌ فِي اللُّغَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ وَلَمْ أَجِدْهُ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ كَمَا هُوَ فِي كُلَّمَا وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى وَأَيْنَمَا وَحَيْثُمَا أَنَّ مَا فِي الْجَمِيعِ زَمَانِيَّةٌ فَمَعْنَى قَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ زَمَانٍ تَدْخُلِينَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَجَعَلَ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا ظَرْفًا لِحُصُولِ طَلْقَةٍ فَيَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ فِي تِلْكَ الظُّرُوفِ تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ.
وَمُقْتَضَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ طَلْقَةٌ أَمَّا مَتَى مَا فَمَتَى لِلزَّمَانِ الْمُبْهَمِ لَا لِلْمُعَيَّنِ حَتَّى نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى مَنْعِ قَوْلِنَا مَتَى تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَإِنَّ زَمَنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُتَعَيِّنٌ فَيَمْتَنِعُ السُّؤَالُ عَنْهُ بِمَتَى بِخِلَافِ قَوْلِك مَتَى يَقْدَمُ زَيْدٌ فَإِنَّ زَمَنَ قُدُومِ زَيْدٍ مُبْهَمٌ وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهَا الزَّمَانَ الْمُبْهَمَ وَمَا أَيْضًا مَعْنَاهَا الزَّمَانُ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ زَمَانَ زَمَانَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَكَانَ فِي مَعْنَى إعَادَةِ اللَّفْظِ وَأَنَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ زَمَانَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ أَنْتِ فِيهِ طَالِقٌ بِخِلَافِ قَوْلِك كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْإِحَاطَةَ وَالشُّمُولَ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَالتَّكْرَارُ فِيهِ كَقَوْلِك كُلَّمَا أَكْرَمْت زَيْدًا أَكْرَمَنِي أَيْ إكْرَامُهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ إكْرَامِي وَأَمَّا حَيْثُمَا وَأَيْنَمَا فَهُوَ مَكَانٌ أُضِيفَ إلَى زَمَانٍ وَتَقْدِيرُهُ مَكَانَ زَمَانَ دُخُولِكِ الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَكَوْنُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَتَنَافَ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ لَيْسَ لِمَا ذَكَرَ بَلْ لِكَوْنِ تِلْكَ الصِّيَغِ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْقِسْمُ الرَّابِعُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ التَّقْسِيمِ فِي الْقَاعِدَةِ تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَا يَقْتَضِي زَمَنًا فَرْدًا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْفَرْدُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمُمْكِنِ لَا لِأَنَّ لَفْظَ الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ أَقَلَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
(قَالَ: فَهَذَا الْقِسْمُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ الثَّلَاثِ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْعَدَدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَى قَوْلِهِ كَمَا هُوَ فِي كُلَّمَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى وَمَا وَأَيْنَمَا وَحَيْثُمَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى مَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَقِيضٌ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنَّ مَتَى لِلْعُمُومِ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ مَا لِلزَّمَانِ أَنَّهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْمٌ وَمَا أَرَى ذَلِكَ قَوْلًا لِأَحَدٍ مِنْ النُّحَاةِ، ثُمَّ بَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حَيْثُمَا مَعْنَاهَا مَكَانٌ وَزَمَانٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ أَنَّ بَحْثَهُ ذَلِكَ هُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ لَيْسَ كَمَا قَالَ: بَلْ هُوَ الْمُخَلِّطُ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ وَقَوْلُهُ فَبِذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حُرُوفِ الشَّرْطِ وَظَاهِرُهَا الدَّلَالَةُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الثَّانِي أَيْ إنَّ سَائِرَ حُرُوفِ الشَّرْطِ كَمَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيقٍ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى انْتِفَاءٍ وَثُبُوتٍ فَكَذَلِكَ كَلِمَةُ لَوْ مَوْضُوعَةٌ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيقِ حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمَاضِي بِحُصُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْجَزَاءِ بَلْ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِهَا مُسْتَفَادَةٌ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ أَوْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَظَاهِرُهَا إلَخْ إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ لَوْ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ تَالٍ يَلْزَمُ لِثُبُوتِهِ ثُبُوتُ تَالِيَةٍ أَيْ فِي الْمَاضِي وَتَزْيِيفُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ وَمَعْنَاهَا مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ فَاللَّازِمُ لِمَفْهُومِهَا هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ بِانْتِفَاءِ الثَّانِي وَكَوْنُ هَذَا الْقَوْلِ لَازِمًا لِمَفْهُومِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا فَإِنَّ الدَّلَالَةَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ وَوَجْهُ تَزْيِيفِ الْمَشْهُورِ هُوَ أَنَّهُ مَعَ تَوَقُّفِهِ عَلَى كَوْنِ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ مَأْخُوذًا فِي مَدْلُولِ لَوْ الْمُسْتَلْزِمِ خِلَافَ الْأَصْلِ كَمَا عَرَفْت يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ التَّعْلِيقِ عَلَى أَمْرٍ مَفْرُوضِ الْحُصُولِ إبْدَاءُ الْمَانِعِ مِنْ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ فِي الْمَاضِي وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ إلَى حَدِّ الْوُجُودِ وَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ لِارْتِبَاطِ وُجُودِهِ بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ وَأَمَّا أَنَّ انْتِفَاءَهُ بِسَبَبٍ لِانْتِفَائِهِ فِي الْخَارِجِ فَلَا كَيْفَ وَالشَّرْطُ النَّحْوِيُّ قَدْ يَكُونُ مُسَبَّبًا نَحْوَ لَوْ كَانَ الْعَالَمُ مُضِيئًا لَكَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً وَقَدْ يَكُونُ مُضَافًا نَحْوَ لَوْ كَانَ زَيْدٌ أَبًا لِعَمْرٍو لَكَانَ عَمْرٌو ابْنًا لَهُ.
وَقَدْ يَكُونُ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ مَعْلُولَيْنِ لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوَ لَوْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لَكَانَ الْعَالَمُ مُضِيئًا نَعَمْ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ الِاصْطِلَاحِيِّ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ فِي الْخَارِجِ وَمِنْ هَذَا ظَهَرَ جَوَابُ مَا قَالَهُ السَّعْدُ مِنْ أَنَّهُ يَدُلُّك عَلَى أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ لِإِفَادَةِ السَّبَبِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ قَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ:
وَلَوْ دَامَتْ الدَّوْلَاتُ كَانُوا كَغَيْرِهِمْ ... رَعَايَا وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامٌ
وَقَوْلُ الْخَمَّاسِيِّ:
وَلَوْ طَارَدَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ
لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُقَدَّمِ لَا يُنْتَجُ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّازِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا لِلِاسْتِدْلَالِ بِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى انْتِفَاءِ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ لِإِفَادَةِ إبْدَاءِ الْمَانِعِ مَعَ قِيَامِ