للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ هَذِهِ التَّقَادِيرُ تَذْهَبُ عِنْدَ ذَهَابِ أَسْبَابِهَا وَتَثْبُتُ عِنْدَ تَثْبِيتِ أَسْبَابِهَا كَمُتَعَلِّقَاتِ الْخِطَابِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالتَّعَلُّقَاتُ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ تُقَدَّرُ فِي الْمَحَالِّ مَوْجُودَةً فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ مَعْنَى الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْهُ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ مِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ إمَّا لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَالْخُشَاشِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالْخَمْرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمَالِكُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا سَبَقَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ قَبْلَهُ بِأَنْ تُقَدِّرَ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ الصَّرْفُ لَا يَقْبَلُ انْقِلَابَهُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ

(وَالْمِثَالُ الثَّانِي) الْقَتْلُ خَطَأً بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ لَا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالزُّهُوقِ لَا بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ وَأَنَّ الزُّهُوقَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَوْرُوثَةً وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِلْكُ الْمَيِّتِ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى أَنْ يُقَدِّرَ تَقْدِيرَ مِلْكِهِ لَهَا فِي حَالَةٍ تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَهِيَ حَالَةُ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِتَقْدِيمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَأَنَّ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تَامٌّ فَيُقَارِنُهُ مُسَبَّبُهُ كَالْأَسْبَابِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأَيْنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَكَالتَّعَالِيقِ اللُّغَوِيَّةِ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ قَارَنَ لُزُومُ الْمُعَلَّقِ وُقُوعَ ذَلِكَ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ لَكِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُشْكِلُ جِدًّا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَاعِدَتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقَبَضْتنِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَانَ تَمْلِيكًا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ فَيُعَضِّدُ الْمَالِكِيَّةُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ.

وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلَتْ أَيْ مَلَّكَتْهُ الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ.

وَأَمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ غَيْرُ تَامٍّ فَيَتَأَخَّرُ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ كَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ إلَى خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَالسَّلَمِ وَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِوَجْهِ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ.

وَأَمَّا سَبَبٌ قَوْلِيٌّ تَامٌّ كَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعَدَدِ فِي الطَّلَاقِ وَكَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسْفِرايِينِي وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ هَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ وَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ مَعَ تَنْقِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُطَّرِدِ فِيهَا أَنْ تَعْقُبَهَا مُسَبَّبَاتُهَا أَوْ تُقَارِنَهَا فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا تَقْدِيرَ مِلْكِ الدِّيَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ؛ لِأَنَّ انْقِلَابَ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى ادِّعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى انْقِلَابِهِ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ وَكَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَلَى مِلْكِهِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ بِدُونِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُتَعَدِّي.

وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ وَلَا إلَى تَقْدِيمِ مِلْكِ الدِّيَةِ، بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِنْفَاذُ لَا الزُّهُوقُ فَلَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا كَمَا لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَالَ وَالْأَمْرُ فِي الْخِلَافِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>