وَإِذَا جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا لِوَلِيَّيْنِ فَزَوَّجَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كُفْأَيْنِ فَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُهُمَا إنْ عُرِفَ كَالْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْأَخِيرُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ مَسْأَلَةُ الْوَلِيَّيْنِ وَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ فَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَتَتَزَوَّجُ ثُمَّ تَثْبُتُ رَجْعَةُ الْأَوَّلِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَأُلْغِيَتْ الرَّجْعَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا طَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَرَاجَعَهَا فِي السَّفَرِ فَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ كَانَ وَطْءُ السَّيِّدِ مُفِيتًا لَهَا كَالْوَطْءِ بِالزَّوْجِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَامِنَةً لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فَيُشَكُّ فِي كُفْرِهِ بِالْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ هَلْ هُوَ إكْرَاهٌ أَوْ اخْتِيَارٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ كُفْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَالرَّجُلُ يُسَلِّمُ عَلَى عَشَرَةٍ نِسْوَةٍ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَوَجَدَهُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْبَوَاقِي مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَيَدْخُلْ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَمَنْ دَخَلَ بِهَا فَاتَ الْأَمْرُ فِيهَا بِالدُّخُولِ وَمَنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَقِيلَ لَا يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ وَالْمَرْأَةُ تَطْلُقُ لِلْغَيْبَةِ ثُمَّ يُقْدِمُ بِحِجَّةٍ.
فَإِنْ وَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُبَيِّنُ تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَيْهَا، وَخُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا الْمَرْأَةُ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ حَيَاتُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ، وَالْمُطَلَّقَةُ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَالرَّجُلُ يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ حَاضِرَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهَا وَلِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَهِيَ الَّتِي أَرَدْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ هَذِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَا يُفْتِيهَا الدُّخُولُ وَالْأَمَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا تَتَزَوَّجُ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا فَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ السَّابِقَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَمَا بَعْدَهُ بَاطِلٌ حَصَلَ دُخُولٌ أَمْ لَا فَهَذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي الَّتِي ذَكَرَ الْفَرْقَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَ عَدَمَ الْفَوْتِ فِيهَا وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ تَيْنِكَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَالِكًا لَا يُسَوِّي
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِيهِ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْمَثُوبَةَ وَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ ضَيَّعَ فِيهِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ وَالْكَثْرَةُ فَقَدْ شَهِدَتْ قَاعِدَةُ الْأَمْرِ لِقَاعِدَةِ النَّهْيِ كَمَا شَهِدَتْ قَاعِدَةُ خَبَرِ الثُّبُوتِ فِي الْيَمِينِ لِقَاعِدَةِ خَبَرِ النَّفْيِ فِيهِ فَأَوْضَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى وَاتَّضَحَ لَك أَنَّ سِرَّ الْفَرْقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَبَرِ الصَّادِقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ هُوَ نَقِيضُهُ الْكَاذِبُ دُونَ أَفْرَادِ الْفِعْلِ وَأَفْرَادِ التَّرْكِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ لِلْإِيجَابِ وَالْإِيجَابِ لِلنَّفْيِ وَالْمُعْتَبَرُ لِلنَّهْيِ وَالْأَمْرِ أَفْرَادُ الْأَفْعَالِ وَالتُّرُوكِ دُونَ النَّقِيضِ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلْآخَرِ
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) كَوْنُ الْحِنْثِ كَذِبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ لَيْسَ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ سَاتِرَةً لِذَنْبِ تَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْحِنْثَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا أَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ شَرْعِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ وَالنَّهْيِ الشَّرْعِيِّ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُتَّجَهُ بِهِ مَذْهَبُهُمْ بَلْ إنَّمَا هُوَ كَذِبٌ مِنْ جِهَةِ مُسَمَّى الْكَذِبِ لُغَةً وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ خَبَرُ وَعْدٍ وَخَبَرُ الْوَعْدِ لَا يَأْثَمَ حَالِفُهُ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِكُلِّ وَعْدٍ وَلَيْسَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عِدَّةُ الْمُؤْمِنِ دَيْنٌ» يُرِيدُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ الْحَاثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَافِ وَلَوْ كَانَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا وَاجِبًا لَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْوَعْدُ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ فِي الْوَعْدِ وَالْحَلِفِ لَيْسَتْ بِكَذِبٍ مُحَرَّمٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ» فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ لِمُجَرَّدِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُ الْمَصْلَحَةِ بَلْ كَانَتْ مُخَالَفَةً تَتَوَقَّفُ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ تُسَاوِي مَفْسَدَةَ التَّحْرِيمِ كَفَوَاتِ أَمْرٍ وَاجِبٍ عَظِيمٍ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُعَارَضُ إلَّا بِالْوَاجِبِ وَلَا يُعَارَضُ بِمُطْلَقِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَصْدُقُ بِأَدْنَى مَرَاتِبِ النَّدْبِ فَلَيْسَ الْحِنْثُ حِينَئِذٍ بِمُحَرَّمٍ وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَلَفَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ لَا يَحْمِلُهُمْ ثُمَّ حَمَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك حَلَفْت فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute