وَيَبْدَأُ بِالشَّرْطِ وَيَكُونُ جَوَابُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ بَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَفْضِيلِهِنَّ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ وَيَكُونُ جَوَابُ الشَّرْطِ مَا بَعْدَهُ وَيَسْتَقِيمُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ) يَجُوزُ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ الدَّلِيلُ نَفْسَ الْجَوَابِ وَلَيْسَ هُوَ الْجَوَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: ٤] فَإِنَّ تَكْذِيبَ مَنْ قَبْلَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بَلْ سَبَقَ وَتَقَدَّمَ وَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَتَسَلَّ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك فَتَكْذِيبُ مَنْ قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَسْلِيَتِهِ وَسَبَبُ تَسْلِيَتِهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَإِلَّا فَالْمَاضِي لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ) جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عِ مُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ السَّبَبِ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا نَحْوَ قَوْلِهِ {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: ٢٥] فَالْأَوَّابُونَ عَامٌّ فِي كُلِّ أَوَّابٍ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَجِبُ فِي هَذَا الْعُمُومِ أَنْ يَتَخَصَّصَ بِنَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ صَلَاحَنَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِنَا مِنْ الْأُمَمِ وَمَنْ تَأَمَّلَ الْقَوَاعِدَ قَطَعَ بِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ مِنْكُمْ غَفُورًا.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ) جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنْ يَقُولُوا إذَا وَرَدَ النَّصُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ يَجُوزُ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ جَوَازِ حَذْفِ جَوَابِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَإِنَّ الْحَذْفَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ لَا يُدَّعَى إلَّا لِضَرُورَةٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَاضِيَ لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِتَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ السَّبَبِ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَمَا مَثَّلَ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: ٢٥] لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ بَلْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا نَحْوَ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا وَكَانَ هُنَا لِلِاسْتِمْرَارِ فَإِنَّهُ أَمْدَحُ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَمَدُّحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ عَشَرَ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنْ يَقُولُوا إذَا وَرَدَ النَّصُّ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَوْ وَإِنْ وَإِذَا وَجَعَلُوا مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يُفْهِمُ الْعُمُومَ وَالْفُقَهَاءُ اقْتَصَرُوا فِيمَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ عَلَى كُلَّمَا وَمَهْمَا وَجَعَلُوا مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ فَفِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً وَمَتَى مَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلَ إنْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا مَعْنَى كُلَّمَا وَأَمَّا مَهْمَا فَتَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِمَنْزِلَةِ كُلَّمَا اُنْظُرْ " ق " اهـ.
وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَفِي وَاحِدَةٍ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ بِمَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَتَى مَا وَإِذَا مَا لَا كُلَّمَا وَكَرَّرَ وَاحِدَةً وَهَلْ كَذَلِكَ طَالِقٌ أَبَدًا أَوْ ثَلَاثًا خِلَافٌ اهـ. وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُهُ كَمَتَى مَا تَمْثِيلٌ بِالْمُتَوَهِّمِ إلَّا خَفِيَ فَإِنَّ الْمَنَاطِقَةَ جَعَلُوهَا سُورًا كُلِّيًّا فِي الشَّرْطِيَّاتِ مِثْلَ كُلَّمَا وَلَكِنْ رُوعِيَ هُنَا الْعُرْفُ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ فَمَعْنَى مَتَى مَا دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهَا فَلَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ فَعَدَمُ اقْتِضَائِهَا التَّكْرَارَ ظَاهِرٌ اهـ.
هَذَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرَ طَلَاقٍ كَالدُّخُولِ فِي الْمِثَالِ أَمَّا إذَا كَانَ طَلَاقًا كَمَتَى مَا وَإِذَا مَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَفِي كَوْنِ مَتَى مَا وَإِذَا مَا مِنْ أَدَوَاتِ التَّكْرَارِ كَكُلَّمَا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِي صُورَتَيْ كُلَّمَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَزِمَتْهُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْأُولَى الَّتِي هِيَ فَعْلَةٌ حَقِيقَةً فَصَارَتْ الثَّانِيَةُ فَعْلَةً الْتِزَامًا لِأَنَّ فَاعِلَ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَوْلَى فَاعِلُ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الثَّانِيَةُ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَيْ فَتَقَعُ الثَّالِثَةُ بِمُقْتَضَى إرَادَةِ التَّكْرَارِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْ أَدَوَاتِ التَّكْرَارِ كَانَ فَيَلْزَمُهُ فِيهِمَا طَلْقَتَانِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا تَلْزَمُهُ كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ لِأَنَّهُ لَا تَكْرَارَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً اهـ.
وَالثَّانِي اعْتَمَدَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْخَرَشِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ هُنَا طَلَاقٌ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَتَى مَا فَعَلْت وَكَرَّرَ فَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرُ طَلَاقٍ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَالُوهُ أَيْ مِنْ أَنَّ مَتَى وَمَتَى مَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلَ إنْ مَعَ أَنَّ الْمَنْطِقِيِّينَ عَلَى أَنَّ إنْ وَلَوْ وَإِذَا لِلْإِهْمَالِ وَمَتَى مِنْ أَسْوَارِ الْكُلِّيِّ اهـ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ عِنْدَ فُقَهَائِنَا