بِصِيغَةِ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] وَلَا تَكَادُ تَجِدُ فَقِيهًا يُنَازِعُ فِي هَذَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الرَّجُلَيْنِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ وُجُودِ الرَّجُلَيْنِ وَأَنَّ عَدَمَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا فَنَسْتَفِيدُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَثَانِيهمَا أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ هَا هُنَا كَذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا فَهُوَ فَرْدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَهُوَ زَوْجٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْعَدَدُ الزَّوْجُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْدِ وَلَا الْفَرْدِ عَلَى عَدَمِ الزَّوْجِ بَلْ هُوَ وَاجِبُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهِ وُجِدَ الْآخَرُ أَمْ لَا وَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ وَهُوَ قَوْلُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا كَانَتْ الْخَمْسَةُ فَرْدًا قَطْعًا فَإِنَّ وُجُودَ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْعَدَدِ لَا يُنَافِي الْفَرْدِيَّةَ فِيهِ وَوُجُودُ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ لَا يُنَافِي الزَّوْجِيَّةَ فِيهِ فَعَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ لَا أَثَرَ لَهُ أَلْبَتَّةَ فِي عَدَمِ هَذَا الْمَشْرُوطِ وَكَقَوْلِنَا إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَمَادًا فَهُوَ إمَّا نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَيَوَانُ نَاطِقًا فَهُوَ بَهِيمٌ مَعَ أَنَّ الْبَهِيمَ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ النَّاطِقِ بَلْ إذَا فُرِضَ النَّاطِقُ نَاطِقًا كَانَ الْبَهِيمُ بَهِيمًا بِالضَّرُورَةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ نَظَائِرَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَا تَرْتِيبَ فِيهَا وَلَمْ يَلْزَمْ فِيهَا مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ بَلْ الْمَشْرُوطُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ وَوَقَعَ سَوَاءً وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتَ: عَدَمُ الزَّوْجِيَّةِ عَنْ الْعَدَدِ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهُ فَلَوْ كَانَ زَوْجًا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْفَرْدِيَّةُ فَقَدْ لَزِمَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ قُلْتُ: لَيْسَ مُرَادُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ إثْبَاتَ شَرْطِيَّةِ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْفَرْدِيَّةِ بَلْ الزَّوْجُ زَوْجٌ فِي نَفْسِهِ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَكَذَلِكَ الْفَرْدُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِصِيغَةٍ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] وَلَا تَجِدُ فَقِيهًا يُنَازِعُ فِي هَذَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) .
قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَأْتِي لِغَيْرِ قَصْدِ التَّرْتِيبِ كَمَا مَثَّلَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ إنْ أَرَادَ الشَّرْطَ الْمَعْنَوِيَّ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي يَعْنِي الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ وَإِنْ أَرَادَ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ فَهُوَ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ أَيْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ سُمِّيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ شَرْطًا لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ بَلْ يَأْتِي الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:.
الْأَوَّلُ مَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ مُطْلَقًا كَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كُلَّمَا وَمَهْمَا الثَّانِي مَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ مُطْلَقًا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ إنْ وَإِذَا وَلَوْ الثَّالِثُ مَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ مُرَاعَاةً لِلْعُرْفِ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ لَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ إرَادَةِ الْعُمُومِ وَيُفْهَمُ الْعُمُومُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ الْإِطْلَاقُ مُرَاعَاةً لِلْعُرْفِ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا وَهُوَ الْبَاقِي كَمَتَى وَمَتَى مَا قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا لَا يُتَّجَهُ عَلَى نَصِّ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ اهـ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى نَصِّهِمْ عَلَى الْعُمُومِ التَّكْرِيرُ فَيَلْزَمُ إذَا قَالَ لَهَا: حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا طَلُقَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا تَحْقِيقًا لِلْعُمُومِ وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ التَّكْرَارِ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ قَائِلَ ذَلِكَ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ أَوْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَحَقُّقِهِ بِأَنَّ ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ دَالَّةٌ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْأَمْرُ بِقَتْلِهِمْ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ وقَوْله تَعَالَى {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: ٧٨] مَعْنَاهُ عِلْمُهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كَانُوا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ.
وَإِذَا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ إلَّا الْعُمُومُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وَضْعِهَا لَهُ وَنَحْنُ لَا نَقْضِي بِالشَّيْءِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنَّمَا قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ ظُهُورِ أَثَرِهِ مِنْ تَكَرُّرِ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا فِي عِدَّتِهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَكَذَا إنَّمَا قَضَيْنَا بِهِ فِي قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ عِنْدَ ظُهُورِ أَثَرِهِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ يَسْتَحِقُّ وَمَنْ حُرِمَ اسْتَحَقَّ مَانِعُهُ الذَّمَّ فَلَوْ قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ أَثَرِهِ كَمَا هُنَا لَلَزِمَ اتِّحَادُ أَحْكَامِ الْمُطْلَقَاتِ وَالْعُمُومَاتِ وَكَانَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ فِي أَحَدِهَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمًا مَحْضًا وَالتَّحَكُّمُ الْمَحْضُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالْعُلَمَاءُ بَرَاءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَيْثُ وَأَيْنَ مِثْلُ الْعُمُومِ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا لِلظَّرْفِ لَا لِلْمَظْرُوفِ فَكَمَا أَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا أَنْتِ طَالِقٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute