الْجَنِينِ تَصْدُقُ بِأَيْسَرِ مُلَابَسَةٍ، وَأَحَدُ طُرُقِ الْمُلَابَسَةِ أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُبِيحُهُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَكَاةِ أُمِّهِ مُلَابَسَةٌ تَصْدُقُ أَنَّهَا ذَكَاتُهُ فَيَكُونُ عَلَى التَّقْدِيرِ ذَكَاةُ أُمِّهِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاتِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ النُّحَاةِ عَنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَكْفِي فِي الْإِضَافَةِ أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ لِلْآخَرِ شِلْ طَرَفَك فَجَعَلَ طَرَفَ الْخَشَبَةِ طَرَفًا لَهُ بِسَبَبِ الْمُلَابَسَةِ وَأَنْشَدُوا:
إذَا كَوْكَبُ الْخَرْقَاءِ لَاحَ بِسُحْرَةٍ
فَأَضَافَ الْكَوْكَبَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ لِشُغْلِهَا عِنْدَ طُلُوعِهِ وَإِذَا اسْتَقْرَيْت ذَلِكَ وَجَدْته كَثِيرًا عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ فَصَحَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إضَافَةِ الذَّكَاةِ لِلْجَنِينِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ الذَّكَاةِ بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى بِالرَّفْعِ فِي الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِالنَّصْبِ فَتَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِرَاوِيَةِ الرَّفْعِ عَلَى اسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِرِوَايَةِ النَّصْبِ عَلَى احْتِيَاجِهِ لِلذَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ وَهُوَ الْقَاعِدَةُ فِي حَذْفِ الْمُضَافِ.
وَالْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَاهُنَا تَقْدِيرًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ دَاخِلَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَانْتَصَبَتْ الذَّكَاةُ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ كَقَوْلِك دَخَلْت الدَّارَ وَيَكُونُ الْمَحْذُوفُ أَقَلَّ مِمَّا قَدَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَيَكُونُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ جَمْعٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ التَّعَارُضِ وَالتَّنَافِي بَيْنَهُمَا فَيُرَجَّحُ بِقِلَّةِ الْمَحْذُوفِ وَالْجَمْعِ لَا يَبْقَى لَهُمْ فِيهِ مُسْتَنَدٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الذَّكَاةِ بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ تَصِحُّ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالْإِسْنَادِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ يَلْزَمُ فِيهِ مُرَاعَاةُ الْفَاعِلِ وَهَلْ هُوَ مِمَّا وَقَعَ فِي إسْنَادِ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ لَا؟ فَيَكُونُ مَجَازًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ الذَّكَاةِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى بِالرَّفْعِ فِي الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِالنَّصْبِ فَتَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِرَاوِيَةِ الرَّفْعِ عَلَى اسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِرِوَايَةِ النَّصْبِ عَلَى احْتِيَاجِهِ لِلذَّكَاةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ وَمِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يُرَجَّحُ بِقِلَّةِ الْحَذْفِ مُسَلَّمٌ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَيْضًا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُمْ مِنْ مُقْتَضَى مَسَاقِ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُ غَيْرِهِمْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ مُقْتَضَى رَأْيِهِ وَمَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مَسَاقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَمَا قَالَهُ وَمِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يُرَجَّحُ بِالْجَمْعِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَذُّرِ الْجَمْعِ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمْعُ مُتَّجَهٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا وَالشَّأْنُ إنَّمَا هُوَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ عَلَى الْآخِرِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَبَسْطُهُ يَطُولُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الَّتِي هِيَ الِاسْتِقْذَارُ فَمَتَى كَانَتْ الْعَيْنُ لَيْسَتْ بِمُسْتَقْذَرَةٍ فَحُكْمُ اللَّهِ فِيهَا عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَأَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً مَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةَ الْإِبْعَادِ كَالْخَمْرِ وَإِلَّا قَضَى بِتَنْجِيسِهَا مَعَ عَدَمِ الِاسْتِقْذَارِ لِقِيَامِ عِلَّةِ التَّوَسُّلِ إلَى الْإِبْعَادِ مَقَامَ الِاسْتِقْذَارِ فَظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ بَلْ النَّجَاسَةُ تَرْجِعُ لِلتَّحْرِيمِ وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ لِلْإِبَاحَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ فَمَتَى زَالَ الْإِسْكَارُ بِنَحْوِ تَخْلِيلِهِ أَوْ تَحْجِيرِهِ زَالَ التَّحْرِيمُ وَثَبَتَ الْإِذْنُ بِجَوَازِ أَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَعِلَّةُ إبَاحَةِ شُرْبِ الْعَصِيرِ مُسَالَمَتُهُ لِلْعَقْلِ وَسَلَامَتُهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ فَعَدَمُ هَذِهِ الْمُسَالَمَةِ وَالسَّلَامَةِ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْعَصِيرِ فَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ وَعَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْحَدَثُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ فَيُقَالُ أَحْدَثَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ بِفِعْلِهِ أَيْ يَنْوِي ارْتِفَاعَ الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ لَا أَنَّهُ يَنْوِي ارْتِفَاعَ أَعْيَانِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ الْمُسْتَقْذَرَةِ بِوُضُوئِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَاقِعَةً دَاخِلَةً فِي الْوُجُودِ وَالْوَاقِعَاتُ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا وَالْمَنْعُ وَإِنْ كَانَ أَيْضًا وَقَعَ وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِهِ مَنْعُ اسْتِمْرَارِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ إنَّمَا يَمْنَعُ اسْتِمْرَارَ مَنْعِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَا نَفْسَ الْوَطْءِ وَلَا مَنْعَهُ فَالْحَدَثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ مِنْ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ فَيُبَاحَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعِبَادَةِ.
فَالْإِبَاحَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضَافَةٌ إلَى عَدَمِ سَبَبٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَالسَّبَبُ الَّذِي هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِيَادِ مَثَلًا هُوَ عِلَّةُ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ وَعَدَمُهُ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ التَّطَهُّرِ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ سَبَبُ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ وَحُصُولِ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَيْضًا أَنَّ عِلَّةَ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ نَعَمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْإِبَاحَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَتَقُولُ إنَّ الطَّهَارَةَ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ حَتَّى