عَنْ الْعُهْدَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا سَبَبَ لَهُ إلَّا السَّلَامُ الْمَشْرُوعُ وَالْخُرُوجُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ مُرَادَنَا فَإِنْ قُلْت السَّلَامُ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يَخْرُجُ مِنْ حُرُمَاتِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا إبَاحَةَ وَلَا بَرَاءَةَ ذِمَّةٍ قُلْت إنَّمَا أَخْرَجَ السَّلَامُ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَسَبْقِ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْمُبْطِلَاتِ وَإِخْرَاجُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ إخْرَاجِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالْحَصْرُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ السَّلَامَ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا يَحْتَاجُ فِي الرُّجُوعِ إلَى تَكْبِيرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَجَعَلَ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَكَذَلِكَ السَّلَامُ سَهْوًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ السَّلَامُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَمَّا سَهْوُ السَّلَامِ وَعَمْدُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرِدْ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ إلَّا التَّكْبِيرَ الْأَوَّلَ الْمَشْرُوعَ سَبَبًا لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ الَّذِي هُوَ فِي آخِرِهَا الْمَشْرُوعُ سَبَبًا فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا سِيَّمَا وَلَفْظُ السَّلَامِ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالسَّلَامَةِ وَالدُّعَاءُ لَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ لَا سَهْوًا وَلَا عَمْدًا فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُحْوِجٌ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مُخْرِجٌ مِنْهَا مُطْلَقًا مُشْكِلٌ فَإِنْ قُلْت النِّيَّةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِهِ تَقْتَضِي رَفْضَ الصَّلَاةِ وَرَفْضُ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إبْطَالَهَا فَذَلِكَ أَحْوَجُ لِلتَّكْبِيرِ وَلِأَنَّ جِنْسَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ إجْمَاعًا وَقَعَ فِي أَجْزَائِهَا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْفَرْدِ بَقِيَّةُ صُوَرِهِ بِالْقِيَاسِ أَوْ نَقُولُ اللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ فَيَشْمَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ.
قُلْتُ السَّلَامُ قَدْ يَقَعُ مَعَ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ نِيَّةٌ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ وَقَعَتْ فَلَيْسَتْ رَفْضًا؛ لِأَنَّ الرَّفْضَ هُوَ قَصْدُ إبْطَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهَا إنَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ صَلَاتَهُ كَمُلَتْ فَأَتَى بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَيْسَ رَفْضًا وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ السَّلَامَ كَوْنُهُ مُخْرِجًا مِنْ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلَا يُنَاسِبُ لَفْظٌ هُوَ دُعَاءُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ فِي ذَلِكَ مَا يُنَافِيهَا وَالدُّعَاءُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْقُولَ الْمَعْنَى امْتَنَعَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ بِلَا جَامِعٍ لَا يَصِحُّ فَإِنْ قُلْت هُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ لَا قِيَاسُ الْمَعْنَى قُلْت قِيَاسُ الشَّبَهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ مَنَعَ الْقَاضِي شَيْخُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُعَارِضٌ فَالْمُقْتَضَى لَا كَمَالُ الصَّلَاةِ الَّذِي يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا وَفِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَالِمٌ عَنْ هَذَا الْمُعَارِضِ فَافْتَرَقَا،.
وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ قَرِينَةَ السِّيَاقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ هَهُنَا إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا حَقِيقَةُ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَا الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الطَّهُورِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْفَرْدُ الْمُقَارِنُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ اهـ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَقَاعِدَةُ الذَّرِيعَةِ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا شَرْعًا هُوَ مَا يُؤَدِّي مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ إلَى مَحْظُورٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقِ مَحْظُورٍ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِي الْوَلِيُّ فِي مَشْهُورِ الْأَقْوَالِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ إذَا كَانَ نَظَرًا لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِصْلَاحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي آيَةِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: ٢٢٠] إلَخْ فَلَا يُقَالُ لِمَ تَرَكَ مَالِكٌ أَصْلَهُ فِي التُّهْمَةِ وَالذَّرَائِعِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ مَعَ يَتِيمَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى هَاهُنَا فِي صُورَةِ الْمُخَالَطَةِ وَوَكَلَ الْحَاضِنِينَ إلَى أَمَانَتِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: ٢٢٠] وَكُلُّ أَمْرٍ مَخُوفٍ وَوَكَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْمُكَلَّفَ إلَى أَمَانَتِهِ لَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ يَتَذَرَّعُ إلَى مَحْظُورٍ فَمَنَعَ مِنْهُ كَمَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٍ عَلَى فُرُوجِهِنَّ مَعَ عِظَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَوْلِهِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْأَنْسَابِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْذِبْنَ وَهَذَا فَنٌّ بَدِيعٌ فَتَأَمَّلُوهُ وَاِتَّخِذُوهُ دُسْتُورًا فِي الْأَحْكَامِ وَأَصِّلُوهُ اهـ.
(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ كُلَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَسِيلَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْحَجِّ فِي إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ اهـ. قُلْت: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ كَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَكَذَا كَوْنُ الْوَسِيلَةِ إلَى أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ أَفْضَلَ الْوَسَائِلِ وَإِلَى أَقْبَحِ الْمَقَاصِدِ أَقْبَحَ الْوَسَائِلِ وَإِلَى مَا يَتَوَسَّطُ مُتَوَسِّطَةً كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ.
(وَأَمَّا الْفَرْقُ) بَيْنَ كَوْنِ الْمَعَاصِي أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَبَيْنَ مُقَارَنَةِ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ فَهُوَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِلرُّخْصِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ التَّرَخُّصِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ سَعْيٌ فِي تَكْثِيرِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِهَا فَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَيْنِ الرُّخْصَتَيْنِ السَّفَرُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُ الرُّخْصَةَ.
وَأَمَّا مُقَارَنَةُ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ فَلَا تَمْتَنِعُ إجْمَاعًا وَمِنْ مِثْلِهِ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ أَفْسَقُ النَّاسِ وَأَعْصَاهُمْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَإِذَا أَضَرَّ الصَّوْمُ