للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ جِدًّا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتنِي وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْلِيكُ عَلَى أَصْلِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ، وَقَاعِدَتُهُ أَنَّ الْمُعَاطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَعْضُدُ الْمَالِكِيَّةَ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ وَأَلْزَمَهُ الشَّافِعِيُّ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

تَشْبِيهُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالشَّرْطُ الَّذِي وَرَدَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَعْنِي أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا قَبْلَ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ لَنَا اسْتَأْذِنْ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ وَأَحْضِرْ الْوَلِيَّ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ هَذَيْنِ شَرْطَانِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا اسْتَتِرْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ وَانْوِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شُرُوطٌ فَمَنْ اعْتَبَرَ هَذَا الشَّرْطَ قَالَ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ إذْ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الصَّوْمُ وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا بَعْدَ الظِّهَارِ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَالَ لَا يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ تَرْفَعُ الْحِنْثَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِاتِّفَاقٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ

(النَّوْعُ الثَّانِي) الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُظَاهَرِ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْوَطْءِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا قَالَ حَفِيدُ ابْن رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ الْجِمَاعُ يَحْرُمُ مَا دُونَهُ مِنْ الْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَاللَّمْسُ وَالتَّقْبِيلُ وَالنَّظَرُ لِلَّذَّةِ مَا عَدَا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَيَدَيْهَا مِنْ سَائِرِ بَدَنِهَا وَمَحَاسِنِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ النَّظَرُ لِلْفَرْجِ فَقَطْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا يَحْرُمُ الظِّهَارُ لِوَطْءٍ فِي الْفَرْجِ فَقَطْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا مَا عُدَّ بِذَلِكَ اهـ.

وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمَسَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ بِأَنْ أَنْزَلَ قُطِعَ التَّتَابُعُ لِفَسَادِ صَوْمِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ بِأَنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا يُقْطَعُ التَّتَابُعُ لِعَدَمِ فَسَادِ الصَّوْمِ اهـ قَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَدَلِيلُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ التَّمَاسِّ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] يَقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَيْ الظِّهَارُ لَفْظٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِهِ فَأَشْبَهَ لَفْظَ الطَّلَاقِ، وَدَلِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوَّلًا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى مَا فَوْقَ الْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهَا دَلَالَةٌ مَجَازِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجِمَاعِ، فَيَكُونُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي تَنْتَفِي بِهَا الدَّلَالَةُ الْمَجَازِيَّةُ إذْ لَا يَدُلُّ لَفْظٌ وَاحِدٌ دَلَالَتَيْنِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا نَعَمْ لَا يَبْعُدُ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَهُ عُمُومٌ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَتَضَمَّنُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَادَةٌ لِلْعَرَبِ حَتَّى عُدَّ الْقَوْلُ بِهِ لِذَلِكَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لَكِنْ لَوْ عُلِمَ أَنَّ لِلشَّرْعِ فِيهِ تَصَرُّفًا لَجَازَ

وَثَانِيًا أَنَّ الظِّهَارَ مُشَبَّهٌ عِنْدَهُمْ بِالْإِيلَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ عِنْدَهُمْ بِالْفَرْجِ اهـ مُلَخَّصًا.

قُلْت وَدَلِيلُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّ الْجِمَاعَ يُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُوجِبِ الْغُسْلِ وَفَسَادِ الصَّوْمِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ

(النَّوْعُ الثَّالِثُ) وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلُ نَهَارًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَعَمَّدَ الْأَكْلَ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَهَارًا أَوْ تَعَمَّدَ وَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَهَارًا ابْتَدَأَهُ اهـ بِالْمَعْنَى، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي إلْحَاقِ الْجَاهِلِ أَيْ بِالْعَامِدِ قَوْلَانِ وَفِي السَّهْوِ وَالْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ السَّهْوِ فَيُجْزِئُ وَالْخَطَأِ فَلَا يُجْزِئُ وَيَبْتَدِئُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ تَمْيِيزَهُ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَمِثْلُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْإِقْنَاعِ الْآتِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ مُطْلَقًا أَيْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِخِلَافِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ كَالْإِغْمَاءِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْأَصْلُ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ التَّتَابُعُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ أَوْ التَّفْرِيقُ مُحَرَّمٌ فَلَا تَضُرُّ مُلَابَسَتُهُ سَهْوًا فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهَا مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَشُرْبِ الْخَمْرَ سَاهِيًا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوَأَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا أَوْ حَرَامًا مَغْصُوبًا غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ اهـ.

مِنْهُ بِلَفْظِهِ يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ وَسَيَأْتِي مَا فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَتَرَقَّبْ (وَأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُهُ) فَأَنْوَاعٌ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَكَلَ نَهَارًا فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَاسِيًا قَضَى يَوْمًا مُتَّصِلًا بِصَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ.

اهـ فَأَوْلَى إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي الْجَهْلِ وَالسَّهْوِ وَالْخَطَأِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِثْلُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ تَخَلَّلَ صَوْمَهُمَا أَيْ الشَّهْرَيْنِ صَوْمُ رَمَضَانَ أَوْ فِطْرٌ وَاجِبٌ كَفِطْرِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ الْحَيْضُ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ مَرَضٌ، وَلَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ لِسَفَرٍ مُبِيحَانِ أَيْ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ الْفِطْرَ أَوْ فِطْرُ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>