للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ السَّاحِرُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْفُتْيَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ بَعْدَ عَمَلِ هَذِهِ الْعَقَاقِيرِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ) قُلْتُ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ التَّفْصِيلِ، وَأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا كُفْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ السِّحْرِ كُفْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَذَلِكَ كُفْرٌ بِالْوَضْعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ: (وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ إلَى قَوْلِهِ خِلَافُ الْوَاقِعِ) قُلْتُ إذَا ثَبَتَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ شَرْطِ الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَعْمَلَ سِحْرًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيمَانُهُ إمَّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ كَانَ السِّحْرُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ الْمَمَالِيكِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ مَنْ يَشْهَدُ.

(الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا ذَكَرَيْنِ نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازُ قَبُولِ شَهَادَةِ إنَاثِ الْأَحْرَارِ اعْتِبَارًا بِالْبَالِغَاتِ فِي كَوْنِهَا لَوْثًا فِي الْقَسَامَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

(الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا لَهُمَا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقْبَلُ فِي قِتَالٍ، وَلَا فِي جِرَاحٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا دَعَتْ لِإِجْمَاعِ الصِّبْيَانِ لِأَجْلِ الْكُفَّارِ نَعَمْ قِيلَ تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ ضَعِيفَةٌ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى أَضْعَفِ الْأَمْرَيْنِ

(الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الصِّبْيَانِ لَا لِكَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ، وَلَا صَغِيرٍ عَلَى كَبِيرٍ

(السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُ حَالُهُمْ أَتَمَّ مِنْ الْكِبَارِ

(السَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ قَبْلَ تُفَرِّقْهُمْ لِئَلَّا يُلَقِّنَ الْكَذِبَ

(الثَّامِنُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ مُتَّفِقَةً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ

(التَّاسِعُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ لَا فِي الْأَمْوَالِ

(الْعَاشِرُ) أَنْ لَا يَحْضُرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْكِبَارِ فَمَتَى حَضَرَ كِبَارٌ فَشَهِدُوا سَقَطَ اعْتِبَارُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ كَانَ الْكِبَارُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ تَجُوزُ فِي الْخَطَأِ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ

(الْحَادِي عَشَرَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْجَسَدِ الْمَشْهُودِ بِقَتْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ مُؤَلِّفُ الْبَيَانِ، وَالْقَرِيبُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى رُؤْيَةِ الْجَسَدِ الْمَقْتُولِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى رُجُوعِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ بَلْ، وَلَوْ بَلَغُوا، وَشَكُّوا أُخِذَ بِقَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ نَعَمْ إنْ قَالُوا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَى بِهَا لَمْ يَقْضِ بِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّبْيَانِ الْعَدَالَةُ وَالْجَرْحُ، وَاخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَالَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَرِيبِ الْعَدُوِّ وَأَجَازَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَيَجُوزُ مَعَ الْقَرَابَةِ

(مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى) سِتَّةٌ صِبْيَةٌ فِي الْبَحْرِ غَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَلَزِمَتْ الدِّيَةُ عَوَاقِلَهُمْ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ مِنْ الصِّبْيَانِ فِي شَجَّةٍ هَلْ شَجَّهَا فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ سَقَطَتَا لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَنْفِي مَا يُثْبِتُهُ الْآخَرُ، وَأَرْشُ الشَّجَّةِ عَلَى جَمَاعَةِ الصِّبْيَانِ اهـ بِتَصَرُّفٍ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ

(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ، وَفِي الْأَصْلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْجَوَازُ لِعِلَّةِ الِاضْطِرَارِ إذْ لَوْ أَهْمَلُوا الْأَذَى ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ كَبِيرٍ، وَهَدَرِ جِنَايَاتٍ تَعْظُمُ، وَدَلِيلُهُ وَجْهَانِ

(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] وَاجْتِمَاعُ الصِّبْيَان لِلتَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ أَعْظَمِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَكُونُوا كِبَارًا أَهْلًا لِذَلِكَ، وَيَحْتَاجُونَ فِي ذَلِكَ لِحَمْلِ السِّلَاحِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمْ كَبِيرٌ، وَهَدَرُ دِمَائِهِمْ لَا يَجُوزُ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْغَالِبُ مَعَ تِلْكَ الشُّرُوطِ الصِّدْقُ، وَنُدْرَةُ الْكَذِبِ فَتُقَدَّمُ الْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ عَلَى الْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ لِأَنَّهُ دَأْبُ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ضَرُورَةً

(الْوَجْهُ الثَّانِي) إنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُرْوَةُ وَرَبِيعَةُ وَمُعَاوِيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>