للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا سَلْبُ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ كَالْجِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْجِسْمِيَّةُ وَنَحْوُهَا فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عُمُرَهُ كُلَّهُ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ مَوْجُودًا إلَّا فِي جِهَةٍ وَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ فَكَانَ هَذَا عُذْرًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ الْإِنْسَانُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إلَى الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِهَا فَكَمْ مِنْ مَوْجُودٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ كَالْأَمْلَاكِ وَالْأَفْلَاكِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَإِنَّهُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُتَنَاقِضِ مَعَ أَنَّ الْحَشَوِيَّةَ لَيْسَ مَذْهَبُهُمْ الْجَهْلَ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ بَلْ مَذْهَبُهُمْ إثْبَاتُ الْجِسْمِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَّا أَنْ يُطْلَقَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بَاطِلٍ أَنَّهُ جَهْلٌ فَذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ.

قَالَ: (وَأَمَّا سَلْبُ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ كَالْجِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْجِسْمِيَّةُ وَنَحْوُهَا فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عُمُرَهُ كُلَّهُ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ مَوْجُودًا إلَّا فِي جِهَةٍ، وَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ فَكَانَ عُذْرًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ الْإِنْسَانُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إلَى الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِهَا فَكَمْ مِنْ مَوْجُودٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كَالْأَمْلَاكِ وَالْأَفْلَاكِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْمُبَرَّزِ فِي الْعَدَالَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجْرَحُ الشَّاهِدُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ، وَلَا يَجْرَحُ مَنْ هُوَ دُونَهُ إلَّا بِالْعَدَاوَةِ وَالْهِجْرَةِ أَمَّا الْقَدْحُ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا، وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَجْرَحُهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ بِالْإِسْفَاهِ وَبِالْعَدَاوَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا عَارِفًا بِوُجُوهِ الْجِرَاحِ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ عِنْدَ الْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ التَّجْرِيحُ فِي الْمُبَرَّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُوحُونَ مَعْرُوفِينَ بِالْعَدَالَةِ وَأَعْدَلَ مِنْهُ، وَيَذْكُرُونَ مَا جَرَحُوهُ بِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْكَشْفِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَجْرَحُ الشَّاهِدُ مَنْ دُونَهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، وَيُعْذَرُ فِي تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ تَعْدِيلِ السِّرِّ فَلَا يَعْذُرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدَّلِينَ سِرًّا، وَالْأَصْلُ فِي الْإِعْذَارِ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْهُدْهُدِ {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: ٢١] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا} [طه: ١٣٤] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَالْإِعْذَارُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُذْرِ، وَمِنْهُ قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ قَدْ بَالَغَ فِي الْإِعْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْك فَأَنْذَرَك.

وَمَنَعَ إعْذَارَ الْقَاضِي إلَى مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ فَنَعْذُرُ عَلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اهـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ مِنْ مَوَاضِعَ.

(تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) زِدْت هَذَا الْفَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَجْزَاءِ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ التِّسْعَةِ لِتَكْمُلَ، وَتَتَّضِحَ بِهَا كَيْفِيَّتُهُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ السِّتَّةِ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْآتِي، وَذَكَرَهَا تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ تَبَعًا لِابْنِ فَرْحُونٍ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ الْقَاضِي.

وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ وَالْحُكْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ، وَتَعَرُّفِ حَالِهِ فَافْهَمْ، وَالرَّابِعُ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَالْخَامِسُ الْمَقْضِيُّ بِهِ يَعْنِي مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ أَوْ مَا بِهِ الْعَمَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ، وَالسَّادِسُ كَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ قَالَ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى تِسْعَةِ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ مَا هُوَ حُكْمٌ فَلَا يُتَعَقَّبُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ، وَمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ كَقَوْلِهِ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ، وَلِيٍّ أَوْ لَا أَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَيَتَعَقَّبُ فَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ حَنَفِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ أَوْ مَالِكِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الثَّانِي مَعْرِفَةُ مَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ، وَمَا لَا يَفْتَقِرُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ الرَّابِعُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ.

وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ الْخَامِسُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ السَّادِسُ مَعْرِفَةُ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ، وَشُرُوطِهَا السَّابِعُ مَعْرِفَةُ حُكْمِ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ امْتِنَاعٍ مِنْهُمَا الثَّامِنُ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْإِعْذَارِ التَّاسِعُ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الْيَمِينِ وَمَكَانِهَا، وَالتَّغْلِيظُ فِيهَا اهـ الْمُرَادُ بِتَوْضِيحِ مَا

(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ رِسَالَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَعْرُوفَةُ بِرِسَالَةِ الْقَضَاءِ هِيَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ، وَأَنْفِذْ إذَا تَبَيَّنَ لَك فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، وَسَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك. الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَلَا يَمْنَعُك

<<  <  ج: ص:  >  >>