للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ، وَالصَّحِيحُ هُنَالِكَ أَنَّ الْبَقَاءَ وَالْقِدَمَ لَا وُجُودَ لَهُمَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ.

(الْقِسْمُ الْخَامِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ لَا بِالذَّاتِ نَحْوَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَتَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَخْصِيصِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَفِي تَكْفِيرِهِمْ بِذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ.

(الْقِسْمُ السَّادِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَشَوِيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحَالَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ: جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَشَوِيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحَالَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ) قُلْتُ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ جَهْلٌ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ لَا جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَالَ، وَإِذَا كَانَ مَالِكٌ يَرَى فِي أَهْلِ الظُّلْمِ لِلنَّاسِ وَالسَّلَّابِينَ وَالْمُحَارِبِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنْ يُقْطَعَ عَنْهُمْ الْإِعْذَارُ فَالظَّالِمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ بِأَنْ يُقْطَعَ عَنْهُ الْإِعْذَارُ فِيمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَأَنِّي مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْمَخَارِجِ لَهُ بِالْإِعْذَارِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ أُمُّ الْقَضَايَا، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَإِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَهُمَا أَيْضًا مَلَاذُ الْحُكَّامِ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ، وَلَا إقَالَةَ مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا مِنْ كَلِمَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْإِعْذَارَ فِيمَا يَتَحَاكَمُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِ الدِّيَانَاتِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَأَنَا عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فِيهِ، وَالْأَخْذُ بِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مُسْتَحْكِمَةٍ فِيمَا أَوْجَبُوا الْإِعْذَارَ فِيهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَأَلْتَزِمُ التَّسْلِيمَ لِمَا اسْتَحْسَنُوهُ إذْ هُمْ الْقُدْوَةُ وَالْهُدَاةُ فَأَمَّا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ أَسْمَعْ بِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ وَصَلَ إلَيْنَا عِلْمُهُ قَالَ فَإِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ نَزَعْت فِي تَرْكِ الْإِعْذَارِ إلَى هَذَا الْمُلْحِدِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ لَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا التَّبْيِينِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَإِنْ كَانَ فِي فُصُولٍ مِنْ كَلَامِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْأُصُولِ، وَفِي بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ، وَالْحَقُّ الْبَيِّنُ أَنَّ مَنْ تَظَاهَرَتْ الشَّهَادَاتُ عَلَيْهِ فِي إلْحَادٍ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا التَّظَاهُرُ وَكَثُرَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَثْرَةُ فَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ مَعْدُومُ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَجْرِيحَ جَمِيعِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا يُسْقِطُ بِهِ شَهَادَتَهُمْ، وَمَنْ قَالَ بِالْإِعْذَارِ أَفَادَ أَصْلَهُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَّامِ فِي لُزُومِ الْإِعْذَارِ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَنْ اجْتَهَدَ أَصَابَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَكُلُّهُ بِنَصِّ لَفْظِهِ إلَّا النَّوْعَ الثَّالِثَ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ فَافْهَمْ قَالَ وَالْإِعْذَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَتَمَامِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْإِعْذَارَ فِي شَيْءٍ نَاقِصٍ لَا يُفِيدُ شَيْئًا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ.

وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْذَرُ إلَيْهِ، وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ يُعْذَرُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ عَلَيْهِ اهـ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَيَحْكُمُ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ؟ فَيَقُولُ لَا فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَنْظَرَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ، وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقْوَى حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَتَوَجَّهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْحُكْمِ اهـ. وَإِذَا حَصَلَتْ التَّزْكِيَةُ لِلشُّهُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكِّي، وَالْمُزَكَّى ثُمَّ هَلْ يُعْذَرُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ فِي الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَقُولُ لَهُ دُونَك فَجُرْحٌ، وَإِلَّا حَكَمْت عَلَيْك.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا قَوْلَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ وَهَنٌ لِلشَّاهِدِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَقُولُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَبُولُهُمْ بِالتَّزْكِيَةِ، وَلَا يَقُولُهُ فِي الْمُبَرَّزِينَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُهُ لِمَنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا بِالْإِعْذَارِ فَمَا الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ يُسْمَعُ فِي مُتَوَسِّطِ الْعَدَالَةِ الْقَدْحُ فِيهَا، وَأَمَّا الْمُبَرَّزُ الْمَعْرُوفُ بِالصَّلَاحِ فَيُسْمَعُ فِيهِ الْقَدْحُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْهِجْرَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُمَكَّنُ مِنْ التَّجْرِيحِ وَلَمْ يُفَرِّقْ.

وَإِذَا قُلْنَا بِسَمَاعِ الْجَرْحِ فِي الْمُبَرَّزِ

<<  <  ج: ص:  >  >>