للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَمُتَكَلِّمٌ بِغَيْرِ كَلَامٍ، وَمُرِيدٌ بِغَيْرِ إرَادَةٍ وَحَيٌّ بِغَيْرِ حَيَاةٍ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِلْأَشْعَرِيِّ، وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْبَاقِلَّانِيّ فِي تَكْفِيرِهِمْ قَوْلَانِ.

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَقِّ فِيهِ هَلْ هُوَ جَهْلٌ تَجِبُ إزَالَتُهُ أَمْ هُوَ حَقٌّ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ مَعْصِيَةٌ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاقٍ بِبَقَاءٍ قَدِيمٍ وَيَعْصِي مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ أَوْ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ وَقَدِيمٌ بِغَيْرِ قِدَمٍ، وَاعْتِقَادُ خِلَافِ ذَلِكَ جَهْلٌ حَرَامٌ عَكْسُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْمَعٍ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ قَطْعًا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ عَلَى بَاطِلٍ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ هُنَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ: (شِهَابُ الدِّينِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَهُوَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا فِي قَوْلِ بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ مِنْ إيهَامِ التَّنَاقُضِ، وَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَيْسَ ظَاهِرُهَا بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْبَقَاءَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إذَا كَتَبُوا شَهَادَتَهُمْ عَلَى مَقَالِ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ أَرَادُوا الشَّهَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِي شَهَادَتِهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِمْ إذَا أَدَّوْهَا فِي الْمَجْلِسِ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفِظُوهَا، وَلَمْ يَكْتُبُوهَا ثُمَّ أَدَّوْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا طَلَبُوا بِهَا، وَكَانُوا عُدُولًا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِيهَا إلَى مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَا اهـ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ تَطْلِيقَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا، وَأَخْذِهَا بِشَرْطِهَا فِي الطَّلَاقِ فِي مَسَائِلِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمْ اهـ

(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقِّ مُعَامَلَةٍ، وَنَحْوِهَا بَيِّنَةٌ أَقَامَهُمْ الْحَاكِمُ مُقَامَ نَفْسِهِ، وَيَتَّضِحُ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِيمَنْ أَعْذَرَهُ إلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَخْرُجَانِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ فِي الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمَا الْحَاكِمُ لِحُضُورِ حِيَازَةِ الشُّهُودِ لِمَا شَهِدُوا فِيهِ مِنْ دَارٍ أَوْ عَقَارٍ، وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَسَأَلْت ابْنَ عَتَّابٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا إعْذَارَ فِيمَنْ وَجَّهَ لِلْإِعْذَارِ، وَأَمَّا الْمُوَجِّهَانِ لِلْحِيَازَةِ فَيُعْذَرُ فِيهِمَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشَّاهِدَانِ الْمُوَجَّهَانِ لِحُضُورِ الْيَمِينِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَقَامَهُمَا مُقَامَ نَفْسِهِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِيهِمَا، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَعْدِيلُ السِّرِّ فَلَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدِّلِينَ سِرًّا كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُ أَيْضًا حُكْمُ الْحُكْمَيْنِ فَيُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِيهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِي ذَلِكَ بِمَا خَلَصَ إلَيْهِمَا بَعْدَ النَّظَرِ وَالْكَشْفِ، وَلَيْسَ حُكْمُهُمَا بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ اهـ

(وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ أَوْ مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ فَلَا يُعْذَرُ إلَيْهِمْ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَفِي آخِرِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ الزِّنْدِيقَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُصَرِّحِ بِالْكُفْرِ وَالِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَاهِدًا، وَكَانَ الْقَاضِي يَوْمَئِذٍ مُنْذِرَ بْنَ سَعِيدٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَأَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ، وَصَاحِبُ الصَّلَاةِ أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِغَيْرِ إعْذَارٍ لِأَنَّهُ مُلْحِدٌ كَافِرٌ، وَقَدْ وَجَبَ بِدُونِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَقُتِلَ بِغَيْرِ إعْذَارٍ فَقِيلَ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ اشْرَحْ أَصْلَ الْفُتْيَا فِي قَتْلِهِ بِغَيْرِ إعْذَارٍ الَّذِي اعْتَمَدْت عَلَيْهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَطْعِ الْإِعْذَارِ عَمَّنْ اسْتَفَاضَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَاتُ فِي الظُّلْمِ، وَعَلَى مَذْهَبِهِ فِي السَّلَّابَةِ وَالْمُغِيرِينَ، وَأَشْبَاهِهِمْ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ الْمَسْلُوبُونَ وَالْمُنْتَهَبُونَ بِأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، وَمِنْ قَبُولِهَا عَلَيْهِمْ سَفْكُ دِمَائِهِمْ، وَفِي الرَّجُلِ يَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ، وَجَرْحُهُ يَدْمَى فَيُصَدَّقُ عَلَيْهِ.

وَفِي الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ فِي الْمَكَانِ الْخَالِي، وَقَدْ فَضَحَتْ نَفْسَهَا بِإِصَابَتِهِ لَهَا فَتُصَدَّقُ بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَفِي الَّذِي وَجَدَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ أَحَدِ الْحُكَّامِ، وَهُوَ يُضْرَبُ بِدَعْوَى صَبِيٍّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ يَدْمَى فَضَرَبَهُ الْحَاكِمُ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مِنْ إصَابَتِهِ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُضْرَبُ وَمَالِكٌ جَالِسٌ عِنْدَهُ حَتَّى ضُرِبَ ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الضَّرْبِ قَبْلَ وُصُولِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ انْتَهَى بِهِ الضَّرْبُ إلَى سِتِّمِائَةِ سَوْطٍ.

وَفِي أَهْلِ حِصْنٍ مِنْ الْعَدُوِّ يَأْتُونَ مُسْلِمِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً حَوَامِلَ فَيُصَدَّقُونَ فِي أَنْسَابِهِمْ وَيَتَوَارَثُونَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً لَهُمْ عَدَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْعِشْرُونَ عِنْدِي جَمَاعَةٌ فَأَيْنَ الْإِعْذَارُ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>