للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذِهِ صُورَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُمْ اشْتَرَيْت وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدْعَى الْبَيْعَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِدْعَاءَ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَرْطِ الْخِيَارِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا خِيَارَ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَلَا تَنْفَعُ الْفُرْقَةُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرِدْ إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ

(الْعَاشِرُ) عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْأَنْفَاسِ، فَعَدَمُ الْمَجْلِسِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ دَلَالَةٍ قَاطِعَةٍ وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ تُسْقِطُ دَلَالَةَ الْخَبَرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ

(الْعَاشِرُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كَلَامٌ يَقْوَى غَيْرَ هَذَا فَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُجِّحَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمُتَعَلِّقُ بِالصِّفَةِ عَنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحِسِّ هُوَ جَهْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ أَمْ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ وَإِنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إنَّهُ لَا غَرَرَ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْجَهْلَ الْمُقْتَرِنَ بِعَدَمِ الصِّفَةِ مُؤَثِّرٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لِمَكَانِ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي فِي نَشْرِهِ وَمَا يُخَافُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِتَكْرَارِ النَّشْرِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي جِرَابِهِ وَلَا الثَّوْبُ الْمَطْوِيُّ فِي طَيِّهِ حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي جِرَابِهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِدْنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَبَايَعَا حَتَّى نَعْلَمَ أَيَّهمَا أَعْظَمَ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَفِيهِ بَيْعُ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَلَا بُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجِنْسِ وَيَدْخُلُ الْبَيْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَائِبٌ غَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومٌ وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا كَالْعَقَارِ وَمِنْ هَاهُنَا أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ فَاعْلَمْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ إلَى أَجَلٍ وَإِنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُبْتَاعِ بِأَثَرِ عَقْدِ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَرَبِيعَةَ وَطَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَجَازُوا بَيْعَ الْجَارِيَةِ الرَّفِيعَةِ عَلَى شَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ وَلَمْ يُجِيزُوا فِيهَا كَمَا لَمْ يُجِزْهُ مَالِكٌ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَإِنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَعْنِي لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَرَرِ مِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا مِنْ بَابِ الرِّبَا وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ يَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِهِ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَيَرَاهُ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَكَانَ أَشْهَبُ يَجْتَزُّ ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّمَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ أَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ مِنْ الْأَثْمَانِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْأَوَاخِرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِكِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ الَّذِي يُثْمِرُ بَطْنًا وَاحِدًا يَطِيبُ بَعْضُهُ وَإِنْ لَمْ تَطِبْ جُمْلَتُهُ مَعًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُثْمِرُ بُطُونًا مُخْتَلِفَةً وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبُطُونَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَتَّصِلَ أَوْ لَا تَتَّصِلَ فَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ لَمْ يَكُنْ بَيْعٌ مَا لَمْ يَخْلُقْ مِنْهَا دَاخِلًا فِيمَا خَلْقٌ كَشَجَرِ التِّينِ يُوجَدُ فِيهِ الْبَاكُورُ وَالْعَصِيرُ، ثُمَّ إنْ اتَّصَلَتْ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَتَمَيَّزَ الْبُطُونُ أَوْ لَا تَتَمَيَّزُ فَمِثَالُ الْمُتَمَيِّزِ جَزُّ الْقَصِيلِ الَّذِي يُجَزُّ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ وَمِثَالُ الْمُتَمَيِّزِ الْمَبَاطِخُ وَالْمَقَاثِي وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْقَرْعُ فَفِي الَّذِي يَتَمَيَّزُ عَنْهُ وَيَنْفَصِلُ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ وَفِي الَّذِي يَتَّصِلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ قَوْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْجَوَازُ وَخَالَفَهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَطْنٍ مِنْهَا بِشَرْطٍ آخَرَ وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِيمَا لَا يَتَمَيَّزُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَبْسُ أَوَّلِهِ عَلَى آخِرِهِ فَجَازَ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهَا مَعَ مَا خَالَقَ وَبَدَا صَلَاحُهُ أَصْلُهُ جَوَازُ بَيْعِ مَا لَمْ يَطِبْ مِنْ الثَّمَرِ مَعَ مَا طَابَ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الصِّفَةِ شَبَّهَهُ بِالْغَرَرِ فِي عَيْنِ الشَّيْءِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الرُّخْصَةَ هَاهُنَا يَجِبُ أَنْ تُقَاسَ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ أَعْنِي مَا طَابَ مَعَ مَا لَمْ يَطِبْ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ مِنْ الْغَرَرِ مَا يَجُوزُ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلِذَلِكَ مُنِعَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ بَيْعُ الْقَصِيلِ بَطْنًا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَاكَ إذَا كَانَ مُتَمَيِّزًا، وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَازِ فِي الْقَصِيلِ فَتَشْبِيهًا لَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَمِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ مُعَاوَمَةً (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)

بَيْعُ اللُّفْتِ وَالْجَزَرِ وَالْكُرُنْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>