للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِقَالَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ يَخْتَارُ الْفَسْخَ وَلَمَّا صَرَّحَ بِمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَشَاغِلَانِ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجَازِ. الرَّابِعُ الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ

(الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ الْمُنَافِي لِلْخِيَارِ

(السَّادِسُ) لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَتَعَذَّرَ تَوَلِّي وَاحِدٍ طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَلْزَمُ كَذَلِكَ يَلْزَمُ فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالْهَرَائِسِ وَالْكَنَائِفِ

(السَّابِعُ) أَنْ نَقُولَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ فَيَبْطُلُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ الْمَجْهُولِ الْعَاقِبَةِ أَوْ النِّهَايَةِ فِي الزَّمَانِ فَإِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ إلَّا الِافْتِرَاقُ، وَقَدْ يَطُولُ، وَقَدْ يَقْصُرُ وَمِثْلُ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بُطْلَانَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَقْدِ

(الثَّامِنُ) عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ

(التَّاسِعُ) يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَاذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ

(الرَّابِعُ الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت هَذَا مِنْ الْغَرَرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْظُمُ فَإِنَّ الْمَجْلِسَ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ لَا يَطُولُ طُولًا يَقْتَضِي ذَلِكَ قَالَ

(الْخَامِسُ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] إلَى آخِرِهِ) قُلْت الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ الْخِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ قَالَ

(السَّادِسُ لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَتَعَذَّرَ تَوَلِّي طَرْفَيْ الْعَقْدِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت إنَّمَا خُرِّجَ كَلَامُ الشَّارِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَائِبِ وَحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ قَالَ

(السَّابِعُ أَنْ نَقُولَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت هُوَ مَضْبُوطٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا يَلْزَمُهُ غَالِبًا مِنْ التَّفَاوُتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نُظِرَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ لِمَجْهُولِ الزَّمَانِ قَالَ

(الثَّامِنُ عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ) قُلْت هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ قَالَ

(التَّاسِعُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك إلَى آخِرِهِ) قُلْت لَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ أَيْسَرُهَا كَوْنُهُ بُنِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَوْ الثَّانِي فَلِارْتِفَاعِهِ عَنْ الْقَلِيلِ أُلْحِقَ بِالْكَثِيرِ وَلِانْحِطَاطِهِ عَنْ الْكَثِيرِ أُلْحِقَ بِالْقَلِيلِ.

وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فُرُوعِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِزِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْحَفِيدِ قَالَ وَمِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا هَذِهِ الضُّرُوبُ مِنْ الْغَرَرِ بُيُوعٌ مَنْطُوقٌ بِهَا وَبُيُوعٌ مَسْكُوتٌ عَنْهَا وَالْمَنْطُوقُ بِهِ أَكْثَرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَبَعْضُهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ «النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَالْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ» وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا دُونَ السُّنْبُلِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَلَا كَثْرَتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ السُّنْبُلِ نَفْسِهِ مَعَ الْحَبِّ فَجَوَّزَ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السُّنْبُلِ نَفْسِهِ وَإِنْ اشْتَدَّ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ وَقِيَاسًا عَلَى بَيْعِهِ مَخْلُوطًا بِتِبْنِهِ بَعْدَ الدَّرْسِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخِيلِ حَتَّى تُزْهِيَ، وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى تَبْيَضَّ وَتُؤْمَنُ الْعَاهَةُ» نُهِيَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا. رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَالزِّيَادَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَتْهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْحَدِيثِ.

ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فَكَثِيرَةٌ لَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهَا أَشَرَّهَا لِتَكُونَ كَالْقَانُونِ لِلْمُجْتَهِدِ النَّظَّارِ وَهِيَ خَمْسَةُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

الْمَبِيعَاتُ نَوْعَانِ مَبِيعٌ حَاضِرٌ مَرْئِيٌّ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي بَيْعِهِ وَمَبِيعٌ غَائِبٌ أَوْ مُتَعَذِّرُ الرُّؤْيَةِ فَهُنَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ قَوْمٌ بَيْعُ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا وُصِفَ وَلَا لَمْ يُوصَفْ، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِمَّا يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ صِفَتُهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ، ثُمَّ لَهُ إذَا رَآهَا الْخِيَارَ فَإِنْ شَاءَ نَفَّذَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إنَّهُ إنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَقَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِنَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ نُقْصَانُ الْعِلْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>