دَعْوَى طَعَامٍ ادَّعَيَا زِرَاعَتَهُ، وَشَهِدْنَا بِذَلِكَ، وَالزَّرْعُ لَا يُزْرَعُ مَرَّتَيْنِ كَالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَبِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِهِ لَهُمَا فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لَمَا حُكِمَ لَهُ إلَّا بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ شَأْنُ الْيَدِ الْمُنْفَرِدَةِ.
وَلَمَّا لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ لَهُ حَيْثُ كَذَبَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُحْكَمَ بِهِ إذَا لَمْ تَكَذَّبَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلِأَنَّ الْيَدَ أَضْعَفُ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا بِالْيَمِينِ، وَالْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ عَلَى يَدِ الدَّاخِلِ إجْمَاعًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُهُ الْيَدُ وَعَنْ
(الثَّالِثِ) أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عِنْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَوِيٌّ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الضَّعِيفِ فَوَجَبَ سَمَاعُهَا لِلضَّعْفِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا عِنْدَ إقَامَةِ الْخَارِجِ بَيِّنَتَهُ، وَعَنْ
(الرَّابِعِ) أَنَّ الدَّعْوَى، وَالْيَدَ لَا يُفِيدَانِ مُطْلَقًا شَيْئًا، وَإِلَّا لَكَانَ مَعَ الْمُدَّعِي حُجَجُ الْيَدِ، وَالدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةُ يُخَيِّرُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا أَيُّهَا شَاءَ أَقَامَ كَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ، وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ مَعَ إحْدَاهُمَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُفِيدَ إنَّمَا هُوَ الْبَيِّنَةُ، وَالْيَدُ لَا تُفِيدُ مِلْكًا، وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ مَعَهَا لِلْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ تُفِيدُ التَّبْقِيَةَ عِنْدَهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَفَادَتْ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى يَمِينٍ.
وَأَمَّا الْأَعْدَلِيَّةُ فَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - التَّرْجِيحَ بِهَا لَنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِمَا تُثِيرُهُ مِنْ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ فِي الْأَعْدَلِ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا رَجَّحَ إحْدَاهُمَا، وَلِأَنَّ مُقِيمَ الْأَعْدَلِ أَقْرَبُ لِلصِّدْقِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ» ، وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ مَطْلُوبًا أَكْثَرَ فِي الشَّهَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْأَعْدَلِ، وَالظَّنُّ أَقْوَى فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْمُدْرَكُ فِي هَذَا الْوَجْهِ الِاحْتِيَاطُ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ.
وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجَوَامِعُ فِي الْقِيَاسَاتِ تَعَدَّدَتْ. احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ.
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ كَالدِّيَةِ، وَلَا تَخْتَلِفُ بِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ فِيهِ فَدِيَةُ الصَّغِيرِ الْحَقِيرِ كَدِيَةِ الْكَبِيرِ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ الْعَظِيمِ.
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْفَسَقَةِ يَحْصُلُ الظَّنُّ أَكْثَرُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَعُلِمَ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إذَا كَثُرُوا، وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ذُكِرَ لِأَنَّ حِصَّةَ ذَلِكَ الْبَعْضِ مَعْلُومَةٌ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فَيُسْتَصْحَبُ الْعَقْدُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلِضَرَرِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا مِثْلِيًّا، وَهُوَ الْأَكْثَرُ فَتُخُيِّرَ فِيمَا ذُكِرَ لِذَهَابِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى. (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ شَائِعًا مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِنْ الْمُتَّخَذِ لِلْغَلَّةِ، وَهُوَ الثُّلُثُ فَتُخُيِّرَ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَا يَقْتَضِي فِيهِ ذَلِكَ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ بَلْ لُزُومُ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَتَيْنِ: (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ شَائِعًا مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ، وَهُوَ دُونَ الثُّلُثِ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ، وَالرُّجُوعُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنْ الثَّمَنِ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا، وَهُوَ الْأَقَلُّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُقَوَّمٍ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ أَوْ مِنْ مِثْلِيٍّ أَيْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ وَالرُّجُوعُ فِي الْمُقَوَّمِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْقِسْمَةِ، وَفِي الْمِثْلِيِّ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ جُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ لَك. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَقْتَضِي تَعَيُّنَ رَدِّ الْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا مِنْ الْمُقَوَّمِ، وَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ إبْطَالُ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَيَحْرُمُ التَّمَسُّكُ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْرَفُ حَتَّى تُقَوَّمَ فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْبَيْعِ أَيْ الْمَعِيبِ مَا نَصُّهُ حَاصِلُ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ أَنْ تَقُولَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ شَائِعًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رِبَاعِ الْغَلَّةِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ خُيِّرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ، وَوَجَبَ التَّمَسُّكُ فِيمَا دُونَهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَإِنْ كَانَ خُصُوصًا كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِيمَةِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبُنَانِيُّ.
وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ خُيِّرَ فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي الرَّدِّ، وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ وَالرَّدِّ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ اهـ.
كَلَامُ الْبُنَانِيِّ بِلَفْظِهِ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ