للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.

(فَإِنْ قُلْت) هُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يُبْنَى عَلَى قَوْلِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ.

(قُلْت) قَدْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَ الْكُفَّارِ فِي الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مِنْ الطِّبِّيَّاتِ فَلَوْ شَهِدُوا بِعَدَمِ الْعَيْبِ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُمْ وَقَضَيْنَا بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ الْمَرَضَ مَخُوفٌ قَضَيْنَا بِرَدِّ التَّصَرُّفَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَوَرَّثْنَا الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذَا مَاتَ الْمُطَلِّقُ فِيهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَصْلُحُ بِهَذَا الْمَرَضِ وَإِنْ دَافَعَهُ لَهُ مُخْطِئٌ ضَمَّنَّاهُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ قَبِلْنَاهُ فَكَذَلِكَ هَهُنَا فَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ وَلَا شَهَادَتُهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايَا الْحُكَّامِ أَمَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الذَّبِيحَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ جَوَازُ التَّنَاوُلِ وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ إذَا جَاءُوا بِهَا وَأَخْبَرُوا أَنَّ فُلَانًا بَعَثَ بِهَا مَعَهُمْ وَيُبَاحُ أَكْلُهَا بِذَلِكَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْكَفَّارَةِ فِي مَوَاطِنِهَا.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَةِ الْمُدْلِجِيِّينَ)

اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا بِالْقَافَةِ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ وَخَصَّصَهُ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَافَةِ أَصْلًا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (فَإِنْ قُلْت هُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يَنْبَغِي عَلَى أَقْوَالِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ) قُلْت السُّؤَالُ وَارِدٌ وَقَوْلُ السَّائِلِ عِنْدِي صَحِيحٌ قَالَ (قُلْت قَدْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَ الْكُفَّارِ فِي الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ عَنَّا مِنْ الطِّبِّيَّاتِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْكُفَّارِ فِي الْمَوْطِنِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ بَلْ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ أَقْوَالِهِمْ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ الْآيَةَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا تَعْيِينَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَلَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالنِّكَاحُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ الْأَصْلَحَ. اهـ

بِلَفْظِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي سِرِّ الْفَرْقِ هُنَا مِنْ أَنَّ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ سَبَبُ إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ أَصْلٌ لِلْخِطَابِ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُمَا تَكْلِيفٌ وَمَشَقَّةٌ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ الْمَحْمُولِ عَنْ الصِّبْيَانِ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَالطَّلَاقُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِإِسْقَاطِ الْعِصْمَةِ فِي الزَّوْجَةِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحْرِيمِ فَلِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الطَّلَاقُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ فَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّهُمَا سَبَبَانِ وَخِطَابُ وَضْعٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الطَّلَاقُ لَمَّا انْضَافَ إلَيْهِ تَكْلِيفٌ دُونَ الْآخَرِ انْتَفَى عَنْهُ دُونَهُ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ وَالْإِتْلَافُ وَإِنْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْوُجُوبُ تَكْلِيفٌ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ الْبُلُوغُ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ وَخُوطِبَ هُوَ حِينَئِذٍ إلَّا أَنَّ تَأْخِيرَ مُسَبَّبِ الْإِتْلَافِ عَنْهُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ عِنْدَ حُصُولِ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِإِمْكَانِ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ الْإِتْلَافِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ مِمَّنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ عَنْهُ بَلْ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَالْعَجْزُ عَنْ إخْرَاجِ الضَّمَانِ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ نَادِرٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ وَانْعَقَدَ الْإِتْلَافُ سَبَبًا مُطْلَقًا وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ لَكَانَ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ الْأَمَدَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ إلَى حِينِ الْبُلُوغِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ اهـ. لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّاطِّ فِيمَا فَرَّقَ بِهِ هُنَا نَظَرٌ. اهـ

قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ كَمَا فِي الْمُوَافَقَاتِ أَنَّ الشَّرَائِعَ إنَّمَا جِيءَ بِهَا لِمَصَالِح الْعِبَادِ فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّخْيِيرُ جَمِيعًا رَاجِعَةٌ إلَى حَظِّ الْمُكَلَّفِ وَمَصَالِحِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْحُظُوظِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَعْرَاضِ غَيْرَ أَنَّ الْحَظَّ إنْ أَخَذَهُ الْعَبْدُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ فَقَطْ كَالْوَاجِبِ وَالْمُحَرَّمِ لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي حَظِّهِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْهُ حَظُّهُ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ بَاعِثُ نَفْسِهِ فَإِمَّا أَنْ يَطْلُبَهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ أَيْضًا كَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ فَيَلْحَقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّجَرُّدِ عَنْ الْحَظِّ وَيُسَمَّى بِاسْمِهِ وَإِمَّا أَنْ يَطْلُبَهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ تَحْتَ الطَّلَبِ كَالْمُبَاحِ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ الطَّلَبَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْفَرْضِ فَلِهَذَا يُقَالُ إنَّ الْمُبَاحَ هُوَ الْعَمَلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ الْحَظُّ الْمَذْكُورُ

<<  <  ج: ص:  >  >>