وَكَانَتْ حَامِلًا إنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحِرَةٌ فَلَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعْرِ. وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدِلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا قَطَطًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا»
(فَائِدَةٌ) الْوَحِرَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ تَلْصَقُ بِالْأَرْضِ وَالْأَعْيَنُ الْوَاسِعُ الْعَيْنَيْنِ وَالْآدَمُ الشَّدِيدُ الْأُدْمَةِ وَهِيَ سُمْرَةٌ بِحُمْرَةٍ وَالْخَدْلُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ فِي السَّاقَيْنِ يُقَالُ رَجُلٌ خَدْلٌ وَامْرَأَةٌ خَدْلَاءُ وَالْقَطَطُ الشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ كَشَوْرِ السُّودَانِ وَبِمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا قَالَتْ أَوَ تَجِدُ الْمَرْأَةُ مَا يَجِدُ الرَّجُلُ يَعْنِي مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ وَاللَّذَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ وَمَنِيَّ الرَّجُلِ يُحْدِثُ شَبَهًا فِي الْوَلَدِ بِالْأَبَوَيْنِ فَيَأْتِي فِي الْخِلْقَةِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَحَاسِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَنْسَابِ وَحَدِيثُ اللِّعَانِ أَيْضًا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى خِلْقَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَنَّهَا تُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ وَاطِئٍ مَخْصُوصٍ وَأَنَّهُ يُوجِبُ النَّسَبَ إنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَإِذَا اسْتَدَلَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْخَلْقِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ عَلَى الْأَنْسَابِ فَالْأَوْلَى ثُبُوتُ الدَّلِيلِ بِالْخَلْقِ الْمُشَاهَدِ فَإِنَّ الْحِسَّ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثْبَتَ هَذَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي صُورَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَرَضٌ لِلْمُشْرِكِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا وَأَنَّ سُرُورَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ إلَّا بِحَقٍّ لَا لِأَجْلِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ رَجْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ إنَّمَا كَانَ بِوَحْيٍ وَصَلَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْرَاةِ فِي آيَةِ الرَّجْمِ وَتَجْوِيزِ أَنَّهَا مِنْ الْمُحَرَّفَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ آيَةَ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَحِيحًا لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ رَآهَا مَكْتُوبَةً فِي نُسَخِ التَّوْرَاةِ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عِنْدَهُ بِالطَّرِيقِ الصَّحِيحِ إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي النُّسَخِ شَيْءٌ مَكْتُوبًا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مِنَّا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ وَجَدَ فِي كُتُبِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مِنْهَا النَّاصِرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: ٤] أَيْ نَاصِرُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: ١١] أَيْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ وَهُوَ كَثِيرٌ وَالِابْنُ نَاصِرُ أُمِّهِ فَيَكُونُ هُوَ مَوْلَاهَا بَلْ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ
(وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي) فَبِالْفَرْقِ بِقُوَّةِ عَقْلِهِ النَّاشِئِ عَنْ الذُّكُورِيَّةِ وَضَعْفِ عَقْلِهَا النَّاشِئِ عَنْ الْأُنُوثَةِ
(وَأَمَّا عَنْ الثَّالِثِ) فَبِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ عَارُهَا بِخِلَافِ أَبِيهِ وَابْنِ الْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْخَالِ بَعِيدٌ عَنْهَا لَا تَنْكِيهِ فَضِيحَتُهَا كَمَا تَنْكِي ابْنَهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُقَدَّمًا عَلَى جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى الْأَبِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْؤُهَا أَمَسُّ بِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ نَعَمْ فِي شب أَنَّ أَبَ الْمَجْنُونَةِ مُقَدَّمٌ فِي الْجَبْرِ عَلَى ابْنِهَا وَالِابْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْوِلَايَةِ. اهـ
لَكِنَّهُ غَيْرُ الْمَعْقُولِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ فِي سَبَبِيَّتِهِ أَيْ مُقَدَّمٌ بِسَبَبِ الْجَبْرِ عَلَى ابْنِ الْمَجْنُونَةِ وَالِابْنِ مَنْ زِنًى مَثَلًا لِأَنَّ الْجَبْرَ وِلَايَةٌ وَزِيَادَةٌ فَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الِابْنَ لَهُ جَبْرٌ، وَالِابْنُ مُقَدَّمٌ فِي الْوِلَايَةِ الَّتِي لَا جَبْرَ فِيهَا وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي الْعَصَبَاتِ أَفَادَهُ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وُضُوءِ الشُّمُوعِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا وَلِذَلِكَ قُدِّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَيْقَظُ وَأَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِوُجُوهِ الْحِجَاجِ وَسِيَاسَةِ الْخُصُومِ وَأَضْبَطُ لِلْفِقْهِ وَفِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَايِدِهَا وَسِيَاسَةِ الْجُنْدِ أَوْ الْجُيُوشِ وَفِي الْفُتْيَا مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَضْبَطُ لِمَنْقُولَاتِ الْفِقْهِ وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَالْكُلَفِ وَالْجِدَالِ فِي الْخِصَامِ لِيُنَاضِلَ عَنْ الْأَيْتَامِ وَفِي سِعَايَةِ الزَّكَاةِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنِصَابِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَقْوَى خَرْصًا لِلثِّمَارِ وَرُبَّمَا كَانَ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي بَابٍ آخَرَ كَمَا قُدِّمَ الرِّجَالُ فِي الْحُرُوبِ وَالْإِمَامَةِ وَأُخِّرُوا فِي الْحَضَانَةِ فَإِنَّ مَزِيدَ إنْفَاقِهِمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْأَطْفَالِ وَأُخِّرَ النِّسَاءُ فِي الْحُرُوبِ وَالْإِمَامَةِ وَقُدِّمْنَ فِي الْحَضَانَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُنَّ بِسَبَبِ مَزِيدِ شَفَقَتِهِنَّ وَصَبْرِهِنَّ عَلَى الْأَطْفَالِ أَكْمَلُ فِيهَا مِنْهُمْ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَلِيٍّ تَكُونُ صِفَتُهُ أَقْرَبَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ صِفَةَ أَقْرَبِيَّتِهِ تَكُونُ حَاثَّةً عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا لِحَدِيثِ عُمَرَ «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ» وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ مَالِكٌ فِي الِابْنِ لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute