للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْك السَّلَامَ ثُمَّ رَمَى فِي حِجْرِك بِخَاتَمٍ نَزَعَهُ مِنْ أُصْبُعِهِ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَعْطَاك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَكَى مَالِكٌ بُكَاءً شَدِيدًا قَالَ سُفْيَانُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا لَهُ أَخَارِجٌ السَّاعَةَ قَالَ نَعَمْ فَوَدَّعَهُ مَالِكٌ وَخَرَجَ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ وَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ وَأَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَعْتَقِدُ عُمُومَ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَأَنَّ مَالِكًا كَانَ يَكْرَهُهَا

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

تَقْبِيلُ الْيَدِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَدِمَ الرَّجُلُ مِنْ سَفَرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُقَبِّلَهُ ابْنَتُهُ وَأُخْتُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ خَدَّ ابْنَتِهِ وَكُرِهَ أَنْ تُقَبِّلَهُ خَتَنَتُهُ وَمُعْتَقَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ أَبِيهِ، وَلَا يُقَبِّلُ خَدَّ أَبِيهِ أَوْ عَمَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ الْمَاضِينَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ «سَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التِّسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُمْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلَى السُّلْطَانِ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةَ الْيَهُودُ أَنْ لَا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ فَقَامُوا فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّك نَبِيٌّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتْبَعُونِي قَالُوا: إنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إنْ اتَّبَعْنَاك أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَتَقْبِيلُ الْيَهُودِ لِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ قَبَّلَ سَالِمًا وَقَالَ شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا إنَّ هَذَا جَائِزٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ «وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاَللَّهِ مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ «وَقَبَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ» .

قَالَ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فِي الْفَمِ مِنْ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهَا بِوَجْهٍ قُلْت: بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَاشَوْنَ تَقْبِيلَ أَوْلَادِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَيُقَبِّلُونَهُمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْمَحَارِمِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ أَنْ يَجِدَ لَذَّةً بِالْقُبْلَةِ فَمَنْ كَانَ يَجِدُ لَذَّةً بِهَا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَمَنْ كَانَ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْخَدُّ وَالْفَمُ وَالرَّأْسُ وَالْعُنُقُ وَجَمِيعُ الْجَسَدِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَبْرِ وَالْحَنَانِ فَهَذَا هُوَ الْمُبَاحُ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَقَدْ رَأَيْت

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قُلْت النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْت، وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك قَالَ: أَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَك قَالَ قَالَ إذًا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرُ ذَنْبُك» اهـ بِلَفْظِهِ، وَفِي حَاشِيَةِ كَنُونٍ أَنَّ الشَّيْخَ الطَّيِّبَ بْنَ كَيْرَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ قَوْلُهُ: أُكْثِرُ الصَّلَاةَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي مَعْنَاهُ أُكْثِرُ الدُّعَاءَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك اهـ قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَلَوْ أُرِيدَ لَقِيلَ: فَكَمْ أَصْرِفُ لَك مِنْ وَقْتِ دُعَائِي مَثَلًا، وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ مَا فِي الْمَعْهُودِ لِلشُّهُودِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَتَفْسِيرُ الْمُنْذِرِيِّ الْمُتَقَدِّمُ ذُكِرَ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَذَكَرَ رُؤْيَاهُ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَقَالَ عَقِبَهَا: انْتَهَى، وَهُوَ حَسَنٌ.

وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ قَالَ أَبُو الْمَوَاهِبِ التُّونُسِيُّ قَالَ لِي الْمُصْطَفَى فِي مَبْشَرَةٍ: أَنْتَ تَشْفَعُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ قُلْت: بِمَ نِلْت هَذَا قَالَ بِإِعْطَائِك لِي ثَوَابَ صَلَاتِك عَلَيَّ وَحَجَّ ابْنُ الْمُوَفَّقِ حِجَجًا فَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمُصْطَفَى فَرَآهُ يَقُولُ لَهُ: هَذِهِ يَدٌ لَك عِنْدِي أُكَافِئُك بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخُذُ بِيَدِك فَأُدْخِلُك الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ سُوءَ الْأَدَبِ كَمَا زَعَمُوا.

وَمِنْهُمْ سَيِّدِي زَرُّوقٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِهْدَاءِ لِلْعُظَمَاءِ إجْلَالُهُمْ وَإِعْظَامُهُمْ لَا أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ لِمَا يُهْدَى لَهُمْ، وَالْهَدِيَّةُ عَلَى قَدْرِ مُهْدِيهَا لَا الْمُهْدَى إلَيْهِ، وَالْأَعْمَالُ أَنْفَسُ مَا عِنْدَ الْمُهْدِي، وَهِيَ جَهْدُ مُقِلٍّ فَلَا مَحْذُورَ فِي إهْدَائِهَا مَعَ رُؤْيَةِ قُصُورِهَا وَعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا نَعَمْ إنْ اسْتَعْظَمَ مَا أَهْدَى فَسُوءُ أَدَبٍ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ سَيِّدِي زَرُّوقٍ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ وَأَصْلُهُ لِجَسُّوسٍ وَزَادَ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ أَعْمَالَهُ هَدِيَّةً لِلْأَوْلِيَاءِ أَوْ يَجْعَلُ وِرْدًا لِجَمِيعِهِمْ أَوْ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَآبٌ حَسَنُ النِّيَّةِ وَالتَّقَرُّبِ لِجَانِبِهِ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ فِي عُدَّةِ الْمُرِيدِ بَعْدَ نَقْلِ مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ لَيْسَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ إلَّا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَإِكْرَامِ قَرَابَتِهِ وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ أَعْمَالِنَا وَإِنِّي لَأَرَى ذَلِكَ إسَاءَةَ أَدَبٍ مَعَهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مَقْبُولًا فَكَيْفَ الِاعْتِدَادُ بِثَوَابِهِ اهـ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِهْدَاءِ لِلْعُظَمَاءِ إجْلَالُهُمْ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِكْرِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِصَلَاةِ الْقُطْبِ مَوْلَانَا عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ مُشَيْشٍ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَتِهِ آمِينَ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ زِكْرِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: صَلَاةٌ تَلِيقُ بِك مِنْك إلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ كَلَامُ الْعُهُودِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>