للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦] مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ فَيَكُونُ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَالِبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَيَكُونُ سُوءَ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ التَّأْدِيبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْمَنْعُ مِنْ ارْتِكَابِ الْعَمَلِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ مُغَايِرٌ لِطَلَبِ خَرْقِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ الْآخَرِ.

قَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ. مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ فَيَكُونُ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَيَكُونُ سُوءَ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَدَبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى)

قُلْت لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَاهُ غَيْرَ مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَكَيْفَ يُقَاسُ الْخَالِقُ بِالْمَخْلُوقِ وَالرَّبُّ بِالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ النَّقْصُ وَالْمَخْلُوقُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّقْصُ، ثُمَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى طَلَبِ مِثْلِهِ أَوْ الْإِجَابَةِ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ وَلِمَ لَا يَكُونُ الدُّعَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَمَا أَشْبَهَ مِمَّا يَمْتَنِعُ وَيَتَعَذَّرُ عَقْلًا وَعَادَةً مُتَنَوِّعًا بِحَسَبِ الدَّاعِي بِهِ.

فَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ تَعَذُّرِهِ فَلَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَقَعُ بِأَحْوَالِ الرَّائِي فَالصَّاعِدُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَلِي وِلَايَةً وَالْوِلَايَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوِلَايَاتِ وَمُطْلَقَةٌ.

فَإِنْ كَانَ الرَّائِي فَقِيهًا كَانَتْ الْوِلَايَةُ قَضَاءً أَوْ أَمِيرًا فَوَالٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ فَمَلِكٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ بِقَرِينَةِ الرَّائِي، وَحَالُهُ تَنْصَرِفُ لِلْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الشَّرَّ وَلِلشَّرِّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْخَيْرَ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ مَاتَ فَالرَّجُلُ الْخَيِّرُ مَاتَتْ حُظُوظُهُ، وَصَلُحَتْ نَفْسُهُ، وَالرَّجُلُ الشِّرِّيرُ مَاتَ قَلْبُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] أَيْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: ٣١] أَيْ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَالْمُتَرَادِفَةُ كَالْفَاكِهَةِ فَالصَّفْرَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْهَمِّ، وَحَمْلُ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالْمُتَبَايِنُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالدَّفْعِ لَهُ فَالْأَوَّلُ جَيِّدٌ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ مِنْ جِهَةٍ مَيْئُوسٍ مِنْهَا، وَالثَّانِي رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَرِزْقٌ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ ذَهَبَ عَنْ الْمَوْتَى لِذَهَابِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ وَالْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ كَالْبَحْرِ هُوَ السُّلْطَانُ حَقِيقَةً وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ سِعَةِ الْعِلْمِ مَجَازًا، وَالْعُمُومُ كَمَنْ رَأَى أَنَّ أَسْنَانَهُ سَقَطَتْ فِي التُّرَابِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ أَقَارِبُهُ كُلُّهَا فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ.

وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَكَالرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّائِي لِشَخْصٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ يُشْبِهُهُ أَوْ بَعْضُ أَقَارِبِهِ أَوْ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي صِفَتِهِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِهِ كَمَا عَبَّرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَبِي حَنِيفَةَ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي صِفَةِ الْفِقْهِ وَعَبَّرْنَا عَنْ زَيْدٍ بِزُهَيْرٍ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الشِّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُثُلِ، وَالْقَلْبُ وَالتَّصْحِيفُ كَمَا رَأَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ رَوَاسًا أَخَذَ مِنْهُمْ الْمُلْكَ فَعُبِّرَ لَهُمْ بِأَنَّ شَاوَرَ يَأْخُذُهُ وَكَانَ كَذَلِكَ فَقَلَبَ وَصُحِّفَ رُوَاسٌ، وَالتَّصْحِيفُ فَقَطْ كَمَا رَأَى مَلِكُ الْعَرَبِ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ عُذْرٍ فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ تَقْصِدُ النَّكْثَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَحَذِرْت مِنْ ذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا؛ إذْ الْمُرَادُ خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ غَدْرٍ فَدَخَلَهُ التَّصْحِيفُ وَبَسْطُ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فِي كُتُبِ التَّعْبِيرِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُثُلَ كَالْأَلْفَاظِ فِي الدَّلَالَةِ، وَأَنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي أَحْوَالِهَا هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ: ضَوَابِطُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالتَّحَدُّثِ فِي الْفِقْهِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ مَحْصُورَةٌ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَصْرِ فَيَقْدِرُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ وَأَمَّا عِلْمُ تَفْسِيرِ الْمَنَامَاتِ فَقَدْ اتَّسَعَتْ تَقْيِيدَاتُهُ وَتَشَعَّبَتْ تَخْصِيصَاتُهُ وَتَنَوَّعَتْ تَعْرِيفَاتُهُ بِحَيْثُ صَارَتْ مُنْتَشِرَةً انْتِشَارًا شَدِيدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ لِكَثْرَةِ التَّخْصِيصَاتِ بِأَحْوَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>