للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ عَرِيَتْ عَنْ النِّيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَاصِيًا وَهَذَا الدُّعَاءُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْخَيْرِ فَقَطْ وَلَا يُنْسَبُ إلَى شَأْنِهِ إلَّا ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ شَأْنُهُ عِنْدَهُمْ، وَمَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ إمَّا كُفْرٌ أَوْ فُسُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَهُمَا مَذْهَبَانِ ضَالَّانِ يَسْبِقَانِ إلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ مَعَهُمَا حَتَّى تُرَوِّضَهَا الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ وَهُمَا الْحَشَوِيَّةُ وَالِاعْتِزَالُ فَلَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ الْجِسْمِيَّةَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَفْعَلُ الشَّرَّ إلَّا شِرِّيرٌ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ كَذَلِكَ حَتَّى يُرْتَاضَ بِالْعِلْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْخَيْرَ وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَهْلُهُ لَيْسَ إلَّا، فَهِيَ شَائِبَةُ اعْتِزَالٍ تَسْبِقُ إلَى الطِّبَاعِ فَاحْذَرْهَا وَاقْصِدْ بِنِيَّتِك مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ رَبِّك.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِنْ عَرِيَتْ عَنْ النِّيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَاصِيًا، وَهَذَا الدُّعَاءُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْخَيْرِ فَقَطْ وَلَا يُنْسَبُ إلَى شَأْنِهِ إلَّا ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ شَأْنُهُ عِنْدَهُمْ وَمَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ إمَّا الْكُفْرُ أَوْ فُسُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَهُمَا مَذْهَبَانِ ضَالَّانِ يَسْبِقَانِ إلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ مَعَهَا حَتَّى تُرَوِّضَهَا الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ وَهُمَا الْحَشَوِيَّةُ وَالِاعْتِزَالُ فَلَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ الْجِسْمِيَّةَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَفْعَلُ الشَّرَّ إلَّا شِرِّيرٌ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ كَذَلِكَ حَتَّى يُرْتَاضَ بِالْعِلْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْخَيْرَ وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَهْلُهُ لَيْسَ إلَّا، فَهِيَ شَائِبَةُ اعْتِزَالٍ تَسْبِقُ إلَى الطِّبَاعِ فَاحْذَرْهَا وَاقْصِدْ بِنِيَّتِك مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ رَبِّك) .

قُلْت حُكْمُهُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَذَلِكَ ضَلَالٌ كَمَا قَالَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالٌ غَيْرُ كُفْرٍ؟ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ فَقَرِينَةُ الْحَالِ فِي كَوْنِ الْإِنْسَانَ لَا يُرِيدُ إلَّا الْخَيْرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ اعْتِقَادِ الِاعْتِزَالِ تُقَيِّدُ مُطْلَقَ دُعَائِهِ فَلَا كُفْرَ وَلَا مَعْصِيَةَ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِيَأْخُذَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَسْتَبْدِلَ مِنْ وَحْشَتِهِ أُنْسًا، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهَا أَنْ تَعْظُمَ حَمَاقَةُ الدَّاعِي وَتَجَرِّيهِ فَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِرَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ مِنْ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْقَضَاءِ النَّافِذِ الْمُحَتَّمِ بِأَنْ يَسْأَلَهُ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَلِمَةَ كُنْ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] وَلَا يَعْلَمُ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا مَعْنَى إعْطَائِهَا إنْ صَحَّ أَنَّهَا أُعْطِيت لِأَحَدٍ وَهَذَا غَوْرٌ بَعِيدُ الرَّوْمِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَمَّنْ يَسْأَلُ ذَلِكَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَخَرِّصِينَ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ النَّسَبِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِيلَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَنْسَابِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ طَلَبَ نَفْيِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَيْسَ طَلَبًا لِضِدِّهِمَا وَهُمَا الْجَهْلُ وَالْعَجْزُ كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ لِجَوَازِ غَفْلَةِ الدَّاعِي وَإِضْرَابِهِ عَنْهُمَا وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْغَفْلَةِ وَالْإِضْرَابِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ، وَإِنْ طَلَبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الِاسْتِيلَاءَ عَلَى نَفْسِهِ وَسَلْبَ اسْتِيلَائِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ تَعَالَى حَتَّى يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ إنْ أَرَادَ أَنَّ عَيْنَهُ هُوَ الْكُفْرُ فَلَا يَسْلَمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ كُفْرٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا إنَّمَا هُوَ وَضْعِيٌّ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ وَهُوَ الْجَهْلُ بِكَوْنِ سَلْبِ الِاسْتِيلَاءِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَا تَتَعَلَّقُ فَهُوَ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي طَلَبِ الدَّاعِي حُلُولَهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَسْتَبْدِلَ مِنْ وَحْشَتِهِ أُنْسًا إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ وَهُوَ الْجَهْلُ بِكَوْنِ سَلْبِ الْحُلُولِ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَا إلَخْ فَافْهَمْ وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي غَيْرَهُ كَلِمَةَ كُنْ إنْ عَنَى بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي غَيْرَهُ كُنْ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الِاقْتِدَارَ بِالِاسْتِقْلَالِ فَذَلِكَ جَهْلٌ شَنِيعٌ أَوْ بِقُدْرَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ بِالْمَآلِ، وَإِنْ عَنَى بِأَنَّ اللَّهَ يُعْطِي غَيْرَهُ كُنْ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الشَّخْصِ الْكَائِنَاتُ الَّتِي يُرِيدُهَا مَقْرُونَةً بِإِرَادَتِهِ مُعَبِّرًا عَنْ ذَلِكَ بِإِعْطَائِهِ كَلِمَةَ كُنْ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَ قَوْلُهُ بِقَرِينَةٍ تُفْهِمُ الْمَقْصُودَ.

وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي طَلَبِ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّهُ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>