للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبَبًا لِلِانْتِقَامِ مِنْ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ كَمَا يُنْفِذُ فِيهِ سَهْمَ الْعَدُوِّ وَالْكَافِرِ وَسَيْفَ الْقَاتِلِ لَهُ ظُلْمًا إمَّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِذُنُوبِهِ أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ السَّيْفِ وَالسَّهْمِ ظَالِمٌ فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّعَاءِ ظَالِمٌ بِدُعَائِهِ وَيُنْفِذُ اللَّهُ دُعَاءَهُ كَسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَلِذَلِكَ يُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ السِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ لِلِانْتِقَامِ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِي حَقِّهَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ هَذَا الدَّاعِي أَيْضًا عَلَى دُعَائِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْكُلُّ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لَوْ جَوَّزْنَا خُلُوَّ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ مِنْ الذُّنُوبِ مُطْلَقًا وَطَهَارَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ لَجَوَّزْنَا اسْتِجَابَةَ هَذَا الدُّعَاءِ لِيَجْعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَإِظْهَارِ صَبْرِ الْعَبْدِ وَرِضَاهُ فَيَحْصُلَ لَهُ الْجَزِيلُ مِنْ الثَّوَابِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ عَلَى الظَّالِمِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِهِ وَالْمُسْتَنَدُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] لَكِنَّ الْأَحْسَنَ الصَّبْرُ وَالْعَفْوُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

سَبَبًا لِلِانْتِقَامِ مِنْ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ كَمَا يَنْفُذُ فِيهِ سَهْمُ الْعَدُوِّ وَالْكَافِرِ وَسَيْفُ الْقَاتِلِ لَهُ ظُلْمًا إمَّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِذُنُوبِهِ أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ السَّيْفِ وَالسَّهْمِ ظَالِمٌ فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّعَاءِ ظَالِمٌ بِدُعَائِهِ، وَيُنْفِذُ اللَّهُ دُعَاءَهُ كَسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَلِذَلِكَ يُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ السِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ لِلِانْتِقَامِ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِي حَقِّهَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ هَذَا الدَّاعِيَ أَيْضًا عَلَى دُعَائِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْكُلُّ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لَوْ جَوَّزْنَا خُلُوَّ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ مِنْ الذُّنُوبِ مُطْلَقًا وَطَهَارَتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ لَجَوَّزْنَا اسْتِجَابَةَ هَذَا الدُّعَاءِ لِيَجْعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَإِظْهَارِ صَبْرِ الْعَبْدِ وَرِضَاهُ فَيَحْصُلَ لَهُ الْجَزِيلُ مِنْ الثَّوَابِ) .

قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ وَإِظْهَارُ صَبْرِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ اشْتِرَاطَ الصَّبْرِ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ بِالْمَصَائِبِ وَالْآلَامِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَسَبَقَ الْقَوْلُ فِي مُخَالَفَتِي إيَّاهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُرِدْ اشْتِرَاطَ الصَّبْرِ فِي ذَلِكَ بَلْ أَرَادَ إنَّمَا ذَكَرَهُ مِنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ الظَّالِمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُصِيبَاتِ يَكُونُ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الصَّبْرِ وَيَكُونُ أَيْضًا سَبَبًا لِوُقُوعِ الصَّبْرِ مِنْ الصَّابِرِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَهُ هُنَالِكَ وَنَاقَضَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ (وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِهِ وَالْمُسْتَنَدُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] لَكِنَّ الْأَحْسَنَ الصَّبْرُ وَالْعَفْوُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الدُّعَاءُ عَلَى غَيْرِ الظَّالِمِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَحْوَالِ الْعِبَادِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ إضْرَارٌ بِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ إلَّا أَنَّ الْمَدْعُوَّ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَفَ ذُنُوبًا أَوْ اكْتَسَبَ سَيِّئَاتٍ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الدَّاعِي وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ وَطَاهِرًا مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الدُّعَاءَ وَيَجْعَلَهُ سَبَبًا لِلِانْتِقَامِ مِنْ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ.

وَيَجُوزُ عَلَى الثَّانِي أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءَ لِيَجْعَلَهُ سَبَبًا لِرَفْعِ دَرَجَاتِ هَذَا الْعَبْدِ صَبَرَ أَمْ لَا وَسَبَبًا لِوُقُوعِ الصَّبْرِ مِنْ الصَّابِرِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْجَزِيلُ مِنْ الثَّوَابِ فَافْهَمْ وَيَكُونَ الدَّاعِي عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ ظَالِمًا بِدُعَائِهِ الَّذِي أَنْفَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي إضْرَارٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ وَكُلُّ الْمَسَاعِي الضَّارَّةِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ حَرَامٌ فَيُعَاقِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى دُعَائِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُنْفِذُ فِي عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ سَهْمَ الْعَدُوِّ وَالْكَافِرِ وَسَيْفَ الْقَاتِلِ لَهُ ظُلْمًا كَمَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِ السِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِي حَقِّهَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ إمَّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِذُنُوبِهِ أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ فَكَمَا أَنَّ صَاحِبَ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ ظَالِمٌ وَيُنْفِذُ اللَّهُ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ فِي الْمَظْلُومِ وَيُعَاقِبُهُ عَلَى ظُلْمِهِ كَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّعَاءِ ظَالِمٌ بِدُعَائِهِ وَيُنْفِذُ اللَّهُ دُعَاءَهُ فِي الْمَظْلُومِ وَيُعَاقِبُهُ عَلَى ظُلْمِهِ أَيْضًا وَالْكُلُّ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.

(تَنْبِيهٌ) أَجَازَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الدُّعَاءَ عَلَى الظَّالِمِ وَادَّعَى الْأَصْلُ أَنَّ دَلِيلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] . قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِصَارِ الَّذِي هُوَ الِانْتِصَافُ مِنْهُ عَلَى دَرَجَةٍ لَا يَكُونُ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الظُّلْمِ وَبِالْوَجْهِ الَّذِي أُبِيحَ الِانْتِصَافُ بِهِ وَجَوَازُ الِانْتِصَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِ الِانْتِصَافِ مِنْهُ فَقَدْ يُسَوَّغُ دَعْوَى دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَيْهِ ضِمْنًا لَا صَرِيحًا، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِهِ لَا ضِمْنًا وَلَا صَرِيحًا اهـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ فَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ مِنْ أَنْكَادِ الدُّنْيَا لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا فَتَكُونَ جَانِيًا عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] بَلْ تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ مِنْ أَنْكَادِ الدُّنْيَا تَقْتَضِيهَا جِنَايَتُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِ بِمُلَابَسَةِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْكُفْرِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا بِأَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْكُفْرِ.

وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>