للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا إنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَيَصْدُقُ أَنَّ زَيْدًا حَصَلَ لَهُ مُطْلَقُ الْمَالِ وَلَوْ بِفَلْسٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَالُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يُتَمَوَّلُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ مُطْلَقُ النَّعِيمِ وَالنَّعِيمُ الْمُطْلَقُ فَالْأَوَّلُ حَاصِلٌ دُونَ الثَّانِي وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ.

(الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ مَحْصُورَةٌ شَرْعًا تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّارِعِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ وَأَدِلَّةُ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ هِيَ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُقُوعِ الْأَحْكَامِ أَيْ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى رَأْيٍ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْعِصْمَةُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ وَإِجْمَاعٌ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِيهِ وَقِيَاسٌ لَا فَارِقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ يَتَوَقَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ وُقُوعِهَا فَهِيَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فَالزَّوَالُ مَثَلًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] وَدَلِيلُ وُقُوعِ الزَّوَالِ وَحُصُولِهِ فِي الْعَالَمِ الْآلَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْآلَاتِ كَالْأَسْطُرْلَابِ وَالْمِيزَانِ وَرُبُعِ الدَّائِرَةِ وَالشَّكَّارِيَّةِ والزرقالية وَالْبُنْكَامِ وَالرُّخَامَةِ الْبَسِيطَةِ وَالْعِيدَانِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْأَرْضِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الظِّلَالِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الْمِيَاهِ وَآلَاتِ الطِّلَابِ كَالطِّنْجَهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْمَاءِ وَآلَاتِ الزَّمَانِ وَعِدَدِ تَنَفُّسِ الْحَيَوَانِ إذَا قُدِّرَ بِقَدْرِ السَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَلْ الْمُتَوَقَّفُ سَبَبِيَّةُ السَّبَبِ وَشَرْطِيَّةُ الشَّرْطِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

أَحَدَ الْمَقْصِدَيْنِ هُنَا وَذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ نَقِيضَهُ لَا نَظِيرَهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي النَّظِيرَيْنِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَرْقًا.

قَالَ: (فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا أَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا إلَى قَوْلِهِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ) قُلْتُ لَمَّا ذَكَرَ النَّقِيضَ مَعَ نَقِيضِهِ اسْتَمَرَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ ذَكَرَ النَّظِيرَ مَعَ نَظِيرِهِ لَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَلَمْ يَسْتَمِرَّ لَهُ التَّغَايُرُ فِي الْأَحْكَامِ.

قَالَ: (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ السَّابِعَ عَشَرَ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَكُلُّ فِعْلٍ لَا تُكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ جَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَإِنَّ النَّازِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَمَّا لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْإِنْقَاذِ مِنْ حِفْظِ حَيَاةِ الْغَرِيقِ لِأَنَّهَا قَدْ حَصَلَتْ لَمْ يُخَاطَبْ بِالْوُجُوبِ إذْ لَوْ خُوطِبَ حِينَئِذٍ لَكَانَ بِلَا مَصْلَحَةٍ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ عَبَثًا وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي كِسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامِ الْجَوْعَانِ وَنَحْوِهِمَا.

قُلْت: وَلِهَذَا الضَّابِطِ يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالِدِ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْجُمْهُورِ.

وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْكُلِّ لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ لِقَوْلِ السَّعْدِ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ إنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّسْخِ فَيَفْتَقِرُ إلَى خِطَابٍ جَدِيدٍ وَلَا خِطَابَ فَلَا نَسْخَ فَلَا سُقُوطَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرَضِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ كَمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ كَانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَاحْتِرَامِ الْمَيِّتِ مَثَلًا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَلِهَذَا يُنْسَبُ السُّقُوطُ إلَى فِعْلِ الْبَعْضِ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَنْصِبَ الشَّارِعُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَفَرَّقَ سَمِّ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِسُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ الْجَمِيعِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَالْكَمَالِ بِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يُقْصَدُ فِيهِ عَيْنُ الْفَاعِلِ ابْتِلَاءً لَهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يُقْصَدُ فِيهِ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَاعِلِ إلَّا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ فَاعِلٍ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ.

(وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ: الْأُولَى الْأَعْيَانُ وَالْكِفَايَةُ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ كَذَلِكَ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ فَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ وَاَلَّتِي عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>