للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ تُمْكِنُ نِيَّتُهُ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ مِنْهُ مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمِنْهُ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ ثُمَّ انْقَسَمَتْ الشَّرْعِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَطْلُوبٍ وَغَيْرِ مَطْلُوبٍ فَغَيْرُ الْمَطْلُوبِ لَا يُنْوَى مِنْ حَيْثُ هُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ يُقْصَدُ بِالْمُبَاحِ التَّقَوِّي عَلَى مَطْلُوبٍ كَمَا يُقْصَدُ بِالنَّوْمِ التَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْرَعُ نِيَّتُهُ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ قِسْمَانِ نَوَاهٍ وَأَوَامِرَ فَالنَّوَاهِي لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ شَرْعًا بَلْ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ عُهْدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرُ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِتَرْكِهَا وَجْهَ اللَّهِ الْعَظِيمِ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً.

وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَقِسْمَانِ أَيْضًا. مِنْهَا: مَا تَكُونُ صُوَرُ أَفْعَالِهَا كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ شَرْعًا فَمَنْ دَفَعَ دَيْنَهُ غَافِلًا عَنْ قَصْدِ التَّقَرُّبِ بِهِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى إعَادَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى نَعَمْ إنْ قَصَدَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَإِلَّا فَلَا. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَالتَّعْظِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ صَنَعَتْ ضِيَافَةً لِإِنْسَانٍ فَأَكَلَهَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِك لَكُنْت مُعَظِّمًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِسَبَبِ قَصْدِك فَمَا لَا قَصْدَ فِيهِ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَصْدُ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا ضَابِطُ مَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَمَا لَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَضَابِطُ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ مِمَّا يُمْكِنُ وَمَا لَا يَحْتَاجُ شَرْعًا وَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَمَبْسُوطَةٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَهُنَاكَ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَهَا أَنَا أُذَيِّلُ هَذَا الْفَرْقَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ:

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ وَذَلِكَ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ تُمْكِنُ نِيَّتُهُ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ مِنْهُ مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمِنْهُ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ إلَى قَوْلِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَى قَوْلِهِ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً.

قَالَ: (وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَقِسْمَانِ أَيْضًا مِنْهَا مَا تَكُونُ صُوَرُ أَفْعَالِهَا كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عُرِّيَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ مَعَ أَنَّهُ نَوَى أَدَاءَ دَيْنِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِهِ بَعْدُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنَّهُ لَا يُثَابُ حَتَّى يَنْوِيَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ دَيْنِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ: عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُثَابَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَكْفِيهِ مِنْ النِّيَّةِ كَوْنُهُ قَصَدَ أَدَاءَ دَيْنِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ: فِي الْقِسْمِ الثَّانِي صَحِيحٌ.

قَالَ: (وَهَا أَنَا أُذَيِّلُ هَذَا الْفَرْقَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ وَذَلِكَ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بَلْ يَجِبُ وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْمَحَلِّيِّ قَالَ: وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ فَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ وَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْقَرَافِيُّ اهـ.

وَالسُّقُوطُ هُنَا عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِظَنِّهِ فِعْلَ غَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ لِقَاعِدَةِ سُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ عَنْ السَّعْدِ وَالتَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرُدَّ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَانْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَجَازًا اهـ أَيْ إمَّا بِالِاسْتِعَارَةِ لِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ وَإِمَّا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ التَّقْيِيدِ ثُمَّ الْإِطْلَاقِ فَافْهَمْ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَيُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ أَمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ ذِكْرِي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَسُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ إذَا أَرَادَ فَاعِلُهَا إسْقَاطَ الْحَرَجِ عَنْ حَاضِرِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ كَانَتْ لَهُ أُجُورُهُمْ.

وَإِنْ بَلَغَتْ أَعْدَادُهُمْ مَا بَلَغَتْ اهـ نَقَلَهُ كَنُونِ عَلَى حَوَاشِي عبق وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَهَلْ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ ثَوَابٌ كَعِقَابِ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ أَوَّلًا لِعَدَمِ الْعَمَلِ أَوْ إنْ كَانَ جَازِمًا فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالثَّانِي اهـ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْوُجُوبُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ لَمَّا كَانَ مَشْرُوطًا بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ وَمَفْقُودًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ لِقَاعِدَةِ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>