للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَظَهَرَ الْفَرْقُ.

فَإِنْ قُلْت اعْتَمَدْتُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْفَرْقِ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَمَنْ قَالَ بِهَا اسْتَقَامَ عِنْدَهُ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَا بَطَلَ عِنْدَهُ الْفَرْقُ وَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ هَهُنَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهَا إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَبِسْتُ ثَوْبًا كَتَّانًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصِّفَةِ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ الصِّفَةَ هَاهُنَا ظَهَرَ اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ فِيهَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قُلْت إلْزَامٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصِّفَةَ هَهُنَا لَمْ تَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهَا فَصُيِّرَتْ مَعَ الْأَصْلِ كَلَامًا وَاحِدًا دَالًّا عَلَى مَا بَقِيَ وَمُخْرِجًا لِغَيْرِ الْكَتَّانِ عَنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَهَذَا عُمُومٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَظَهَرَ الْفَرْقُ) قُلْت بُنِيَ جَوَابُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِ الْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبَ كَتَّانٍ وَلَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ أَضْعَفُ أَنْوَاعِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ.

وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ وَسَمَّاهُ مَفْهُومَ الصِّفَةِ مِنْ حَيْثُ وَجَدَهُ مُتَّبَعًا بِهِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ ثَوْبًا كَتَّانًا وَلَيْسَ بِصِفَةٍ بَلْ هُوَ بَدَلٌ عِنْدَ النُّحَاةِ وَبِالْجُمْلَةِ جَوَابُهُ فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ قَالَ (فَإِنْ قُلْت اعْتَمَدْت فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْفَرْقِ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت هُوَ سُؤَالٌ وَارِدٌ قَالَ (قُلْت إلْزَامٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصِّفَةَ هَهُنَا لَمْ تَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهَا فَصُيِّرَتْ مَعَ الْأَصْلِ كَلَامًا وَاحِدًا إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ وَمُخْرِجًا لِغَيْرِ الْكَتَّانِ عَنْ دَلَالَتِهِ اللَّفْظِيَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ) قُلْت لَا صِفَةَ لِمَوْصُوفٍ إلَّا وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهَا فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى مَسَاقِ قَوْلِهِمْ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَفْهُومِ كُلِّ صِفَةٍ وَهَذَا الْإِخْفَاءُ بِبُطْلَانِهِ وَكَوْنُ اللَّفْظِ مُسْتَقِلًّا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ وَلَا فِي عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ قَالَ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَهَذَا عُمُومٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَدَخَلَ لَهُمْ تَحْتَ الْعَفْوِ إلَى أَنْ نَزَلَ مَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] فَحِينَئِذٍ اسْتَقَرَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ وَارْتَفَعَ الْعَفْوُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَرُمَتْ قَالُوا كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَشْرَبُهَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَرُفِعَ الْجُنَاحُ وَهُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الرِّبَا الْمَعْمُولُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ بُيُوعُ الْغَرَرِ الْجَارِيَةُ بَيْنهمْ كَبَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ كُلِّهَا كَانَتْ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَمَا سُكِتَ عَنْهَا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْعَفْوِ وَالنَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ هَذَا الْمَعْنَى لِوُجُودِ جُمْلَةٍ مِنْهُ بَاقِيَةٍ إلَى الْآنَ عَلَى حُكْمِ إقْرَارِ الْإِسْلَامِ كَالْقِرَاضِ وَالْحُكْمِ فِي الْخُنْثَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ

الْوَجْهُ الثَّالِثُ السُّكُوتُ عَنْ أَعْمَالٍ أُخِذَتْ قَبْلُ مِنْ شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمَا إلَّا مَا غَيَّرُوا فَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ وَيُطَلِّقُونَ وَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا وَيَمْسَحُونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُلَبُّونَ وَيَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَيَأْتُونَ مُزْدَلِفَةَ وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ وَيُعَظِّمُونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَيُحَرِّمُونَهَا وَيَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَغْسِلُونَ مَوْتَاهُمْ وَيُكَفِّنُونَهُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيَقْطَعُونَ السَّارِقَ وَيُصَلِّبُونَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ فِيهِمْ مِنْ بَقَايَا مِلَّةِ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَبَقُوا عَلَى حُكْمِهِ حَتَّى أَحْكَمَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ مَا أَحْكَمَ وَانْتَسَخَ مَا خَالَفَهُ فَدَخَلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ مِمَّا لَمْ يَتَجَدَّدْ فِيهِ خِطَابٌ زِيَادَةً عَلَى التَّلَقِّي مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ نَسَخَ مِنْهَا مَا نَسَخَ وَأَبْقَى مِنْهَا مَا أَبْقَى عَلَى الْمَعْهُودِ الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّاطِبِيِّ فِي الْمُوَافَقَاتِ بِتَصَرُّفٍ (وَصْلٌ) فِي بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا الزِّنَا فَإِنَّهُ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حَرَامٌ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَدِّ وَمِنْهَا السَّرِقَةُ فَهِيَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ التَّحْرِيمِ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ الْجِنَايَاتِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ وَمِنْهَا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي صُوَرِهِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ أَوْ التَّقْدِيرِ فِي الْمَمْنُوعِ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ الْعُقُودِ فَإِنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَيَنْفَرِدُ خِطَابُ الْوَضْعِ عَنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا الزَّوَالُ وَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَدَوَرَانُ الْحَوْلِ وَنَحْوُهَا فَإِنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا فَقَطْ وَيَنْفَرِدُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ عَنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ كَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَمْ يَجْعَلْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِفِعْلٍ آخَرَ نُؤْمَرُ بِهِ أَوْ نُنْهَى عَنْهُ بَلْ وُقِفَ الْحَالُ عِنْدَ أَدَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ الْعِقَابِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْمُكَلَّفِ وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِكَوْنِ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>