للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ يَتَقَرَّرُ عِنْدَك الْفَرْقُ الْوَاضِحُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ فَائِدَةُ حَسَنَةِ الْمَعْدُودِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ الصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَقَدْ وَجَدْتهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَثَمَانِيَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْحَالُ وَظَرْفُ الزَّمَانِ وَظَرْفُ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْبَدَلُ وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ وَالْمَفْعُولُ لِأَجْلِهِ فَهَذِهِ الِاثْنَا عَشَرَ لَيْسَ فِيهَا وَاحِدٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَمَتَى اتَّصَلَ بِمَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ كَانَ عُمُومًا أَوْ غَيْرُهُ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ مَرَّ تَمْثِيلُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فِي مَعْنَى التَّرْتِيبِ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَالِكَ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهَا وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ تُوجِبُ الْفُسُوقَ وَخَرْقَ الْإِجْمَاعِ فِي الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَحِلُّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهَذَا الْفَرْقِ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ يَتَقَرَّرُ عِنْدَك الْفَرْقُ الْوَاضِحُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ) قُلْت لَمْ يَتَقَرَّرْ مَا قَالَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ بَلْ لَا فَرْقَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَلَا قَائِلَ بِهِ فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ إلَّا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَائِدَةُ الْمَعْهُودِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ الصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَقَدْ وَجَدْتهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ اثْنَيْ عَشْرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَثَمَانِيَةً أُخْرَى إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فِي مَعْنَى التَّرْتِيبِ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَاكَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ قَالَ (وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهَا وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ تُوجِبُ الْفُسُوقَ وَخَرْقَ الْإِجْمَاعِ فِي الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَحِلُّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهَذَا الْفَرْقِ) قُلْت لَا تُوجِبُ الْغَفْلَةُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ فُسُوقًا وَلَا خَرْقَ إجْمَاعٍ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ التَّنْبِيهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مَا حَاصِلُهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَعْلِهِ ذَا الْحِجَّةِ كُلَّهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَتَادَةَ وَطَاوُسٍ وَمَالِكٍ نَظَرَ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ أَشْهُرٌ فِي الْآيَةِ صِيغَةُ جَمْعٍ مُنَكَّرٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ أَوْ جَعَلَهُ ذَا الْحِجَّةِ بَعْضُهُ نَظَرَ الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ تَخْصِيصُ الصِّيغَةِ بِالْوَاقِعِ وَالثَّانِي كَوْنُ بَعْضِ الشَّهْرِ يُسَمَّى شَهْرًا لُغَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْبَعْضِ فَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا وَأَبُو حَنِيفَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالرَّمْيَ فِي الْعَقَبَةِ رُكْنَانِ يُفْعَلَانِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيُّ عَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَكْمُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لِصِحَّةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ الْحَجُّ كُلُّهُ وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الرَّمْيَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَشَعَائِرِهِ وَالْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَشْهُرِ الْحَجِّ وَتَنْصِيصِهِ عَلَيْهَا أَمْرَانِ

أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهَا كَذَلِكَ فِي مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ إلَى أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَبَقِيَتْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَى أَنَّ الْعُمْرَةَ فِيهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُغَيِّرُهَا فَتُنْسِئُهَا وَتُقَدِّمُهَا حَتَّى عَادَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ إلَى حَدِّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَأْثُورِ الْمُنْتَقَى «إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا» الْحَدِيثُ الثَّانِي أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ التَّمَتُّعَ وَهُوَ ضَمُّ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَيَّنَ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ لَيْسَتْ جَمِيعَ الشُّهُورِ فِي الْعَامِ وَإِنَّمَا هِيَ الْمَعْلُومَاتُ مِنْ لَدُنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيَّنَ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] أَنَّ جَمِيعَهَا لَيْسَ الْحَجُّ تَفْصِيلًا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَتَخْصِيصًا لِبَعْضِهَا بِذَلِكَ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَجَمِيعُ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَصَحِيحُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْعَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْمَخْصُوصَةِ. اهـ.

بِزِيَادَةٍ وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ فَهِيَ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» زَادَ مُسْلِمٌ «وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ الْمَوَاقِيتَ الْمَكَانِيَّةَ مُبَيِّنًا بُعْدَهَا مِنْ مَكَّةَ وَأَهْلَ كُلٍّ بِقَوْلِي

قَرْنٌ لِنَجْدٍ ذَاتُ عِرْقٍ لِلْعِرَاقِ ... يَلَمْلَمُ الْيَمَنِيُّ مِنْ أُمِّ الْقُرَى

لِلْكُلِّ مَرْحَلَتَانِ جُحْفَةُ شَامِنَا ... سِتٌّ حُلَيْفَةُ عَشْرٌ لِلْمَدَنِيِّ تُرَى

وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ مَعًا وَانْعِقَادُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ وَلَا يَنْعَقِدُ حَجًّا بَلْ إنْ كَانَ حَلَالًا انْعَقَدَ عُمْرَةً وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى أُخْرَى وَالْحَجَّ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَجَرٍ عَلَى إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنَّ إحْرَامَ الْمُحْرِمِ مِنْ بَلَدِهِ أَفْضَلُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك» وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ بِكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَتَأَوَّلَهُ أَهْلُ مَذْهَبِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بَلْ وَلَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>