للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَقْتُلُوا بَنِي تَمِيمٍ لَا تُبْقُوا مِنْ رِجَالِهِمْ أَحَدًا حَيًّا فَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يُقَدَّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَيُبْتَنَى الْعَامُّ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ رِجَالُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَارِضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ

الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَضَادَّا وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١٥١] لَا تَقْتُلُوا الرِّجَالَ فَهَذَانِ مِنْ قَاعِدَةِ ذِكْرِ بَعْضِ الْعَامِّ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُهُ كَانَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِيهِ وَقِيلَ عَلَى الشُّذُوذِ أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّ ذِكْرَ الرِّجَالِ يَقْتَضِي مَفْهُومَهُ قَتْلَ غَيْرِهِمْ

الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَتَنَافَيَا وَيَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ تَخُصُّهُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] وقَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] فَيَضْطَرُّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ الصَّيْدِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْإِحْرَامِ وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ أَمْرٌ عَامٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ وَالْمُنَاسِبُ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ عَامٍّ وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُوصِ الْإِحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلَا تَعَلُّقَ وَالْمُنَافِي الْأَخَصُّ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْعُرْفِيَّاتِ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لِقَبِيلَتِك أَوْ مِلَّتِك وَآخَرُ عَدُوٌّ لَك فِي نَفْسِك دُونَ غَيْرِك فَإِنَّ حَذَرَك يَكُونُ مِنْ عَدُوِّك الْخَاصِّ بِك أَشَدَّ، وَاجْتِنَابَك لَهُ أَكْثَرُ وَأَلْيَقُ بِك، إنَّ تَسَلُّطَهُ عَلَيْك أَعْظَمُ وَأَمَّا عَدُوُّ مِلَّتِك فَإِنَّهُ لَا يُلَاحِظُ خُصُوصَك فِي عَدَاوَتِهِ بَلْ رُبَّمَا مَالَ إلَيْك دُونَ أَهْلِ مِلَّتِك لِأَمْرٍ يَجِدُهُ فِيك دُونَهُمْ وَأَمَّا عَدُوُّك فَلَوْ تَرَكَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَا تَرَكَك وَكَذَلِكَ غَرِيمٌ لَا يُطَالِبُ إلَّا أَنْتَ وَغَرِيمٌ يُطَالِبُ جَمَاعَةً أَنْتَ مِنْهُمْ تَجِدُ فِي نَفْسِك الْمِلْكَ مِنْ الْمُطَالِبِ لَك وَحْدَك أَشَدَّ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَفَاسِدُ الشَّرْعِيَّةُ الْخَاصُّ مِنْهَا يَكُونُ أَشَدَّ اجْتِنَابًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُهُ إلَّا حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا قَالَ أَصْحَابُنَا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْإِحْرَامِ وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَأَمْرٌ عَامٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً فَلَا يَكُونُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَبَيْنَ خُصُوصِ الْإِحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلَا تَعَلُّقٌ وَالْمُنَافِي الْأَخَصُّ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ حَذَرَك مِنْ عَدُوٍّ لَك فِي نَفْسِك دُونَ غَيْرِك أَشَدُّ مِنْ حَذَرِك مِنْ الْعَدُوِّ لِقَبِيلَتِك أَوْ مِلَّتِك فَاجْتِنَابُك لَهُ أَكْثَرُ وَأَلْيَقُ بِك فَإِنَّ تَسَلُّطَهُ عَلَيْك أَعْظَمُ لِأَنَّ عَدُوَّك الْخَاصَّ بِك لَوْ تَرَكَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَا تَرَكَك وَأَمَّا عَدُوُّ مِلَّتِك أَوْ قَبِيلَتِك لَا يُلَاحِظُ خُصُوصَك فِي عَدَاوَتِهِ بَلْ رُبَّمَا مَالَ إلَيْك دُونَ أَهْلِ مِلَّتِك أَوْ أَهْلِ قَبِيلَتِك لِأَمْرٍ يَجِدُهُ فِيك دُونَهُمْ وَإِنَّ أَلَمَك الَّذِي تَجِدُهُ فِي نَفْسِك مِنْ الْغَرِيمِ الَّذِي لَا يُطَالِبُ إلَّا أَنْتَ أَشَدُّ مِنْ أَلَمِك مِنْ الْغَرِيمِ الْمُطَالِبِ لِجَمَاعَةٍ أَنْتَ مِنْهُمْ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُهُ إلَّا حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكُ النَّجِسَ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ وَمَفْسَدَةُ الْحَرِيرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ وَالْمُسَاقَاةَ وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً إلَّا أَنَّهَا لِأَمْرٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْحَرِيرِ لَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَقَاعِدَةُ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا بِالْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا إذَا تَعَارَضَتَا كَمَا تُقْطَعُ الْيَدُ الْمُتَآكِلَةُ لِبَقَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّ مَفْسَدَتَهَا أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ وَكُلَّمَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الشَّيْءِ تَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَمَفْسَدَةُ غَيْرِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةٍ كَانَ اعْتِنَاءُ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَا تَعُمُّ مَفْسَدَتُهُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ أَقْوَى وَمَفْسَدَتُهُ أَعْظَمُ مَحَلِّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَفْسَدَةُ الدُّنْيَا لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ بِأَنْ تَكُونَ فِي تِلْكَ الْحَقَائِقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ كَمَا هُنَا فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْأَعَمِّ وَالْأَشْمَلِ عَلَيْهَا فَافْهَمْ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

رَامَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ دَفْعَ إشْكَالَ الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّابَّةَ مَنْ تَجَاوَزَ بِهَا الْبَلَدَ الْمُعَيَّنَ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا إلَيْهِ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ رَدَّهَا سَالِمَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهَا الْغَاصِبَ إذَا تَعَدَّى بِالْغَصْبِ فِيهَا وَرَدَهَا سَالِمَةً الْمُصَوَّرُ بِأَنَّ غَايَةَ هَذَا التَّعَدِّي أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا سَالِمَةً فَخَرَّجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي قَاعِدَةَ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ بِأَنْ قَالَ النَّهْيُ عَنْ الْغَصْبِ نَهْيٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةٍ وَلَا بِعَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ وَوُجِدَ فِي هَذَا الْمُتَعَدِّي نَهْيٌ خَاصٌّ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا آجَرَهُ إلَى الْغَايَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحَدَّدَ لَهُ الْغَايَةَ فَقَدْ نَهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا فَالزَّائِدُ عَلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِيهِ نَهْيٌ يَخُصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الدَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهَذِهِ الْغَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّهَا سَالِمَةً أَنْ لَا يُضَمِّنَ الْمُتَعَدِّيَ مَعَ ذَلِكَ لِقُوَّةِ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْمَارَّةِ وَفِي هَذَا التَّخْرِيجِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا هِيَ فِي التَّعَارُضِ وَلَمْ يَقَعْ هَاهُنَا تَعَارُضٌ إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ نَهْيُ الْغَصْبِ وَنَهْيُ التَّعَدِّي حَتَّى يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ انْفَرَدَ نَهْيُ التَّعَدِّي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ هَاهُنَا نَهْيُ آدَمِيٍّ وَالنَّهْيُ الْعَامُّ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يُرَجَّحُ نَهْيُ الْآدَمِيِّ لِخُصُوصِهِ عَلَى نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عُمُومِهِ وَالشَّرَائِعُ إنَّمَا تَنْبَنِي عَلَى نَهْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>