للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ) وَهَاتَانِ قَاعِدَتَانِ عَظِيمَتَانِ وَتَحْرِيرُهُمَا أَنَّ الزَّوَاجِرَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَقَدْ يَكُونُ مَعَهُمَا الْعِصْيَانُ فِي الْمُكَلَّفِينَ وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعَهَا عِصْيَانٌ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّا نَزْجُرُهُمْ وَنُؤَدِّبُهُمْ لَا لِعِصْيَانِهِمْ بَلْ لِدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ وَاسْتِصْلَاحِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبَهَائِمُ ثُمَّ هِيَ قَدْ يَكُونُ مُقَدَّرَةً كَالْحُدُودِ وَقَدْ لَا تَكُونُ كَالتَّعَازِيرِ وَأَمَّا الْجَوَابِرُ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصَالِحِ الْفَائِتَةِ وَالزَّوَاجِرُ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ فِي حَقِّهِ الْجَابِرُ أَنْ يَكُونَ آثِمًا وَلِذَلِكَ شُرِعَ مَعَ الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالذِّكْرِ وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّ مُعْظَمَهُمَا عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَزَجْرًا لِمَنْ يَقْدُمُ بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِصْيَانِ كَمَا نُقَدِّمُ تَمْثِيلَهُ بِالصِّبْيَانِ وَكَذَلِكَ قِتَالُ الْبُغَاةِ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ زَجْرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ بَلْ يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ بِهِمْ ثُمَّ الْجَوَابِرُ تَقَعُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالنُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ وَالْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ فَجَوَابِرُ الْعِبَادَاتِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَسُجُودِ السَّهْوِ لِلسُّنَنِ وَجِهَةِ السَّفَرِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْكَعْبَةِ وَجِهَةِ الْعَدُوِّ فِي الْخَوْفِ مَعَ الْكَعْبَةِ إذَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ.

وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا فَاتَهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَأَخْذِ النَّقْدَيْنِ مَعَ دُونِ السِّنِّ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ أَوْ زِيَادَةِ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ مَعَ وَصْفِ الْأُنُوثَةِ الْفَائِتِ فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْإِطْعَامِ لِمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَنْ سَنَتِهِ إلَى بَعْدِ شَعْبَانَ أَوْ لَمْ يَصُمْ لِعَجْزِهِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَالنُّسُكِ فِي حَقِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ أَوْ الدَّمِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَوْ التَّلْبِيَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ مَا عَدَا الْأَرْكَانَ أَوْ الْعَمَلَ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَجَبْرِ الدَّمِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَلَا تُضْمَنُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى مَنَافِعِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ الْأَبْضَاعِ ضُمِّنَتْ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ وَالْإِكْرَاهِ وَلَا تُجْبَرُ بِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْأَيْدِي الْعَادِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَلِيلَ الْمَنَافِعِ يُجْبَرُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْجَابِرِ وَكَثِيرُهَا بِكَثِيرِهِ وَضَمَانُ الْبُضْعِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فَلَوْ جُبِرَ بِالْفَوَاتِ لَوَجَبَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَضْلًا عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ سَاعَةٍ يَفُوتُ فِيهَا مِنْ الْإِيلَاجَاتِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا وَإِيجَابُ مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ ضُمِّنَتْ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْفَوَاتُ تَحْتَ الْأَيْدِي الْمُبْطِلَةِ.

قُلْت وَأَمَّا النُّفُوسُ وَالْأَعْضَاءُ وَمَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ فَمَا رَتَّبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا مِنْ دِيَاتٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ أَوْ حُكُومَةٍ فَجَوَابِرُ وَمَا رَتَّبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا مِنْ قِصَاصٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ تَأْدِيبٍ فَزَوَاجِرُ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ وَأَمَّا النُّفُوسُ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ هَذِهِ الْقَوَانِينِ لِمَصَالِحَ تُذْكَرُ فِي الْجِنَايَاتِ فَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ حَرَامٌ وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَشَرْطُهُ وَانْتَفَى مَانِعُهُ الْقِصَاصُ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩] اهـ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالزَّوَاجِرِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا شَرِبَ الْحَنَفِيُّ يَسِيرَ النَّبِيذِ أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْيَسِيرِ مِنْ النَّبِيذِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْخَمْرِ لِجَامِعِ الْإِسْكَارِ الْمُقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَعَلَى خِلَافِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ الْمُقْتَضِيَةِ صِيَانَةَ الْعُقُولِ وَمَنْعَ التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِهَا وَالْحُكْمُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْأُمُورِ إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ وَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا مَعَ التَّأْكِيدِ لِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا مَعَ عَدَمِ التَّأْكِيدِ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا لَيْسَ فِيهِ تَقْلِيدٌ وَلَا اجْتِهَادٌ مَقْبُولٌ شَرْعًا وَمَنْ أَتَى الْمَفْسَدَةَ بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ أَوْ اجْتِهَادٍ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ عَاصٍ فَنَحُدُّهُ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِفِسْقِهِ حِينَئِذٍ بِالْمَعْصِيَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَلِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ أَوْ مُجْتَهِدٌ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ عَاصٍ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَأَمَّا حَدُّهُ فَلِدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ فِي التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ إذْ التَّأْدِيبُ قَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ لِأَجْلِ الْمَفْسَدَةِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَفِيهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ قَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ حَتَّى تَتِمَّ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى الْمَشْرُوطَةِ فِي إنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بَلْ التَّأْدِيبُ إمَّا مُقَدَّرٌ وَهُوَ الْحُدُودُ كَمَا هُنَا فَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَإِمَّا غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَيَكُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يُفِيدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ (لَطِيفَةٌ) فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ اشْتَهَرَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَبِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ شَرْعًا عَنْ قِلَّةِ أَدَبٍ. قَوْلُ ابْنِ الرُّومِيِّ كَمَا فِي حَلْبَةِ الْكُمَيْتِ

أَحَلَّ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ ... وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ

وَقَالَ الْحِجَازِيُّ الشَّرَابَانِ وَاحِدٌ ... فَحَلَّتْ لَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْلَيْهِمَا الْخَمْرُ

أَرَادَ الْخَمْرَ نَبِيذٌ وَالنَّبِيذُ حَلَالٌ فَالصُّغْرَى مِنْ الِاتِّحَادِ عِنْدَنَا وَالْكُبْرَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا فَسَدَ الْقِيَاسُ الْمُشَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَهُ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى وَالْحَنَفِيَّةِ لَا يَقُولُونَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَخُصُّونَ الْبَعْضَ الَّذِي لَمْ يُسْكِرْ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>